فَسَقَى دِيَارَكَ غَيْرُ مُفْسِدِهَا صَوْبَ الرَّبِيعِ وَدِيمَةً تَهْمَى
وَقَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ الْقَوْمَ زَارُوا اللَّهَ وَهُمْ فِي ضِيَافَتِهِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ، وَلَيْسَ لِلضَّيْفِ أَنْ يَصُومَ دُونَ إِذْنِ مَنْ أَضَافَهُ ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ مَقْبُولٍ ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ : جَمْعُ سِرِّ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى دَعَا عِبَادَهُ إِلَى زِيَارَةِ بَيْتِهِ ، فَأَجَابُوهُ ، وَقَدْ أَهْدَى كُلٌّ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ ، وَذَبَحُوا هَدْيَهُمْ ، فَقَبِلَهُ مِنْهُمْ ، وَجَعَلَ لَهُمْ ضِيَافَةً ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَأَوْسَعَ زُوَّارَهُ طَعَامًا وَشَرَابًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَسُنَّةُ الْمُلُوكِ إِذَا أَضَافُوا أَطْعَمُوا مَنْ عَلَى الْبَابِ كَمَا يُطْعِمُونَ مَنْ فِي الدَّارِ ، وَالْكَعْبَةُ هِيَ الدَّارُ ، وَسَائِرُ الْأَقْطَارِ بَابُ الدَّارِ ، فَعَمَّ اللَّهُ الْكُلَّ بِضِيَافَتِهِ ، فَمَنَعَ صِيَامَهَا ، وَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ - وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا - فَقَدْ وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ وَمَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : أَنَّ مَسْعُودَ بْنَ الْحَكَمِ قَالَ : أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ ، وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَقَالَ : لَا نَعْلَمُ أَحَدًا ، قَالَ : عَنْ سَعِيدٍ غَيْرِ صَالِحٍ ، وَهُوَ كَثِيرُ الْخَطَأِ ضَعِيفٌ يَعْنِي أَنَّ الصَّوَابَ الْأَوَّلَ .فسقى ديارك غير مفسدها صوب الربيع وديمة تهمى
وقد علل ذلك علي - رضي الله عنه - بأن القوم زاروا الله وهم في ضيافته في هذه الأيام ، وليس للضيف أن يصوم دون إذن من أضافه ، رواه البيهقي بسند مقبول ، ومن ثم قال : جمع سر ذلك أنه تعالى دعا عباده إلى زيارة بيته ، فأجابوه ، وقد أهدى كل على قدر وسعه ، وذبحوا هديهم ، فقبله منهم ، وجعل لهم ضيافة ، وهي ثلاثة أيام فأوسع زواره طعاما وشرابا ثلاثة أيام ، وسنة الملوك إذا أضافوا أطعموا من على الباب كما يطعمون من في الدار ، والكعبة هي الدار ، وسائر الأقطار باب الدار ، فعم الله الكل بضيافته ، فمنع صيامها ، وهذا الحديث صحيح - وإن كان مرسلا - فقد وصله النسائي من طريق شعيب ومعمر ، عن الزهري : أن مسعود بن الحكم قال : أخبرني بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى عبد الله بن حذافة وهو يسير على راحلته ، فذكر نحوه ، ورواه أيضا من طريق صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، وقال : لا نعلم أحدا ، قال : عن سعيد غير صالح ، وهو كثير الخطأ ضعيف يعني أن الصواب الأول .