الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          747 739 - ( مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن ) عمته ( عائشة أم المؤمنين أن [ ص: 375 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ) ، وكذا رواه ابن عمر وجابر في الصحيحين وابن عباس في مسلم ، وروى أنه كان قارنا عمر في البخاري ، وأنس في الصحيحين ، وعمران بن حصين في مسلم ، والبراء في أبي داود ، وعلي في النسائي ، وسراقة وأبو طلحة عند أحمد ، وأبو سعيد وقتادة عند الدارقطني ، وابن أبي أوفى عند البزار ، وسعيد بن المسيب في البخاري ، وجمع بين الروايتين بأنه صلى الله عليه وسلم كان أولا مفردا ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك وأدخلها على الحج ، فعمدة رواة الإفراد أول الإحرام ، وعمدة رواة القران آخره .

                                                                                                          وأما من روى أنه كان متمتعا كابن عمر وعائشة وأبي موسى وابن عباس في الصحيحين وعمران في مسلم فأراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع وقد انتفع بالاكتفاء بفعل واحد ، وبهذا الجمع تنتظم الأحاديث ويأتي زيادة في ذلك ، ولهذا الاختلاف اختلف الأئمة بعد إجماعهم على جواز الأوجه الثلاثة في أيها أفضل ، فقال مالك والشافعي في الصحيح المعروف من مذهبه وأبو ثور وغيرهم الإفراد أفضل .

                                                                                                          وقال أحمد وجماعة : التمتع أفضل .

                                                                                                          وقال أبو حنيفة والثوري : القران أفضل ورجح الإفراد بأنه صح عن جابر وابن عمر وابن عباس وعائشة ، وهؤلاء لهم مزية في حجة الوداع على غيرهم ، فأما جابر فهو أحسن الصحابة سياقا لحديث حجة الوداع فإنه ذكرها من حين خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى آخرها فهو أضبط لها من غيره .

                                                                                                          وأما ابن عمر فصح عنه أنه كان آخذا بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأنكر على من رجح قول أنس على قوله وقال : كان أنس يدخل على النساء وهن مكشفات الرءوس وإني كنت تحت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم يمسني لعابها أسمعه يلبي بالحج .

                                                                                                          وأما عائشة فقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف وكذلك اطلاعها على باطن أمره وظاهره وفعله في خلوته وعلانيته مع كثرة فقهها وعظيم فطنتها .

                                                                                                          وأما ابن عباس فمحله من العلم والفقه في الدين والفهم الثاقب معروف مع كثرة بحثه وتحفظه أحواله صلى الله عليه وسلم التي لم يحفظها غيره وأخذه إياها من كبار الصحابة ، وبأن الخلفاء الراشدين واظبوا على الإفراد بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، أبو بكر وعمر وعثمان ، واختلف عن علي فلو لم يكن أفضل وعلموا أنه صلى الله عليه وسلم حج مفردا لم يواظبوا عليه مع أنهم الأئمة المقتدى بهم في عصرهم وبعدهم فكيف يظن بهم المواظبة على خلاف فعله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                          وأما الخلاف عن علي وغيره فإنما فعلوه لبيان الجواز ، وفي الصحيحين وغيرهما ما يوضح ذلك .

                                                                                                          وقد روى محمد بن الحسن عن مالك أنه قال : إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان مختلفان وعمل أبو بكر وعمر بأحدهما وتركا الآخر دل ذلك أن الحق فيما عملا به ، وبأنه لم ينقل عن أحد منهم كراهة الإفراد وكره عمر وعثمان وغيرهما التمتع حتى فعله علي لبيان الجواز ، وبأن الإفراد لا يجب فيه دم بإجماع بخلاف التمتع والقران ففيهما الدم لجبران النقص بلا شك لأن الصيام يقوم مقامه ، ولو كان دم نسك لم يقم مقامه كالأضحية .

                                                                                                          [ ص: 376 ] وأجابوا عن أحاديث القران والتمتع بأنها مئولة بأنه أمر بهما فنسبا إليه لذلك نحو : بنى الأمير المدينة .

                                                                                                          وعن قوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) ( سورة البقرة : الآية 196 ) بأنه ليس فيها إلا الأمر بإتمامها ولا يلزم منه قرنهما بالفعل فهو كقوله : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) ( سورة النور : الآية 56 ) ، وبسط الجدال يطول ، والحديث رواه مسلم عن إسماعيل بن أبي أويس ويحيى بن يحيى وأبو داود عن القعنبي والترمذي وابن ماجه عن أبي مصعب والنسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي وابن ماجه أيضا عن هشام بن عمار ستتهم عن مالك به .




                                                                                                          الخدمات العلمية