الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني مالك عن الثقة عنده عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن سعد بن أبي وقاص عن خولة بنت حكيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نزل منزلا فليقل أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق فإنه لن يضره شيء حتى يرتحل

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1783 - ( مالك عن الثقة عنده عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج ) أبي يوسف المدني مولى قريش ، ثقة ، مات سنة اثنين وعشرين ومائة ، وهذا قد رواه مسلم ، بلفظ الموطأ من طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن الحارث بن يعقوب عن يعقوب المذكور ، ( عن بسر ) - بضم الموحدة ، وسكون المهملة - ( ابن سعيد ) - بكسر العين - ( عن سعد بن أبي وقاص ) مالك الزهري أحد العشرة ( عن خولة ) - بفتح الخاء المعجمة - ( بنت حكيم ) ابن أمية السلمية ، يقال لها : أم شريك ، ويقال لها أيضا : خويلة بالتصغير صحابية مشهورة ، يقال : إنها التي وهبت نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت قبل تحتعثمان بن مظعون .

                                                                                                          ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من نزل منزلا ) ، مظنة للهوام والحشرات ، ونحوها مما يؤذي ، ولو في غير سفر ، ( فليقل ) ندبا لدفع شرها ، ( أعوذ ) : أعتصم ( بكلمات الله ) ، أي : صفاته القائمة بذاته التي بها ظهر الوجود بعد العدم ، وبها يقول للشيء : كن فيكون ، وقيل : هي العلم لأنه أعم الصفات ، وقيل : هي القرآن ، وقال البيضاوي : هي جميع ما أنزله على أنبيائه ؛ لأن الجمع المضاف إلى المعارف يقتضي العموم ، ووصفها بقوله : ( التامات ) ، أي : التي لا يعتريها نقص ، ولا خلل تنبيها على عظم شرفها ، وخلوها على كل نقص ، إذ لا شيء إلا وهو تابع لها يعرف بها ، فالوجود كله بها ظهر وعنها وجد ، انتهى .

                                                                                                          وقال عياض : قيل التامات : الكاملة التي لا يدخلها عيب ، ولا نقص ، كما يدخل كلام الناس ، وقيل : هي النافعة الشافية .

                                                                                                          وقال التوربشتي : الكلمة لغة تقع على جزء من الكلام اسما أو فعلا أو حرفا ، وعلى الألفاظ المنطوقة ، وعلى المعاني المجموعة ، والكلمات هنا محمولة على أسماء الله الحسنى ، وكتبه المنزلة ؛ لأن المستفاد من الكلمات إنما يصح ، ويستقيم أن يكون منها ، ووصفها بالتمام لخلوها عن العوائق ، والعوارض ، فإن الناس متفاوتون في كلامهم ، واللهجة ، وأساليب القول ، فما منهم من أحد إلا وقابله آخر في معناه ، أو في معان كثيرة ، ثم [ ص: 618 ] إن أحدهم قلما يسلم من معارضة ، أو خطأ ، أو سهو أو عجز عن المعنى المراد ، وأعظم النقائص المقترنة بها أنها كلمات مخلوقة تكلم بها مخلوق مفتقر إلى أدوات ومخارج ، وهذه نقيصة لا ينفك عنها كلام مخلوق ، وكلمات الله متعالية عن هذه القوادح ، فهي التي لا يتبعها نقص ، ولا يعتريها اختلال ، ( من شر ما خلق ) ، عبر بما للتعميم ، ( فإنه لن يضره شيء ) من المخلوقات ( حتى يرتحل ) عنه ، وشرط نفع ذلك الحضور والنية ، وهي استحضار أنه - صلى الله عليه وسلم - أرشده إلى التحصن به ، وأنه الصادق المصدوق ، فلو قاله أحد ، واتفق أنه ضره شيء ، فلأنه لم يقله بنية وقوة يقين ، وليس ذلك خاصا بمنازل السفر ، بل عام في كل موضع جلس فيه ، أو نام ، وكذلك لو قالها عند خروجه للسفر ، أو عند نزوله للقتال الجائزة ، قاله الأبي .

                                                                                                          وللحديث طريق ثان عند مسلم من رواية ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث أن يزيد بن أبي حبيب ، والحارث بن يعقوب حدثاه عن يعقوب عن بسر عن سعد عن خولة مرفوعا بلفظ : " إذا نزل أحدكم منزلا فليقل " ، فذكره .

                                                                                                          وروى ابن أبي شيبة ، عن مجاهد : أنه يقرأ مع الحديث المذكور : ( رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ) ( سورة المؤمنون : الآية 29 ) ، و ( رب أدخلني مدخل صدق ) ( سورة الإسراء : الآية 80 ) الآية ، وأن ذلك حسن عند الإشراف على المنزل ، وأن الله قاله لنوح حين نزل من السفينة .




                                                                                                          الخدمات العلمية