الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
567 [ ص: 25 ] حديث خامس nindex.php?page=showalam&ids=11863لأبي الزناد
مالك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015164nindex.php?page=treesubj&link=30516_32873قال الله تبارك وتعالى : إذا أحب عبدي لقائي أحببت لقاءه ، وإذا كره لقائي كرهت لقاءه .
وهذا الحديث معناه عند أهل العلم فيما يعانيه المرء عند حضور أجله ، فإذا رأى ما يكره لم يحب الخروج من الدنيا ، ولا لقاء الله لسوء ما عاين مما يصير إليه ، وإذا رأى ما يحب أحب لقاء الله والإسراع إلى رحمته لحسن ما عاين وبشر به ، وليس حب الموت ولا كراهيته ، والمرء في صحته من هذا المعنى في شيء ، والله أعلم .
وقال أبو عبيد في معنى قوله عليه السلام nindex.php?page=treesubj&link=32873من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، قال : ليس وجهه عندي أن يكون يكره علز الموت وشدته ; لأن هذا لا يكاد يخلو منه أحد [ ص: 26 ] نبي ولا غيره ، ولكن المكروه من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها ، والكراهة أن يصير إلى الله والدار الآخرة ، ويؤثر المقام في الدنيا ، قال : ومما يبين ذلك أن الله قد عاب قوما في كتابه بحب الحياة ، فقال ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=7إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ) ، وقال ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة ) ، وقال ( nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=7ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم ) ، قال : فهذا يدل على أن nindex.php?page=treesubj&link=32874الكراهية للقاء الله ليست بكراهية الموت ، وإنما هو الكراهية للنقلة من الدنيا إلى الآخرة .
قال أبو عمر : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته عن أن يتمنى أحدهم الموت لضر نزل به ، nindex.php?page=treesubj&link=32875فالمتمني للموت ليس بمحب للقاء الله بل هو عاص لله عز وجل في تمنيه الموت إذا كان بالنهي عالما .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر ، nindex.php?page=showalam&ids=16502وعبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12429إسماعيل بن إسحاق ، حدثنا عمرو [ ص: 27 ] بن مرزوق ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة ، عن قتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=16377وعبد العزيز بن صهيب ، nindex.php?page=showalam&ids=16621وعلي بن زيد ، كلهم عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015165لا يتمنى أحدكم الموت لضر ينزل به ، فإن كان لا بد قائلا ، فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي .
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=treesubj&link=32875النهي عن تمني الموت جماعة من الصحابة ، منهم : nindex.php?page=showalam&ids=211خباب بن الأرت ، nindex.php?page=showalam&ids=11696وأم الفضل بنت الحارث أم ابن عباس ، وعابس الغفاري ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ، وغيرهم .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16502عبد الوارث بن سفيان ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، حدثنا بكر بن حماد ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17072مسدد ، حدثنا يحيى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12428إسماعيل بن أبي خالد ، قال : حدثني قيس ، قال : أتيت خبابا وقد اكتوى سبعا في بطنه ، فقال : لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به .
حدثنا أحمد بن قاسم ، nindex.php?page=showalam&ids=16502وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14060الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا [ ص: 28 ] محمد بن جعفر الوركاني ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=1015166لا يتمنى أحدكم الموت : إما محسن فلعله يزداد خيرا ، وإما مسيء فلعله يستعتب .
فهذه الآثار وما كان مثلها يدلك على أن nindex.php?page=treesubj&link=32873حب لقاء الله ليس بتمني الموت ، والله أعلم .
وقد يجوز nindex.php?page=treesubj&link=32875تمني الموت لغير البلاء النازل ، مثل أن يخاف على نفسه المرء فتنة في دينه ، قال مالك : كان nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز لا يبلغه شيء عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب إلا أحب أن يعمل به حتى لقد بلغه أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب دعا على نفسه بالموت فدعا nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز على نفسه بالموت ، فما أتت الجمعة حتى مات رحمه الله ، وقد أوضحنا هذا المعنى في هذا الكتاب عند قوله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=1015167لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر أخيه ، فيقول : يا ليتني مكانه .
وأما معنى حديث هذا الباب فإنما هو والله أعلم عند [ ص: 29 ] حضور الموت ، ومعاينة بشرى الخير أو الشر ، فعلى هذا تنزل الآثار ، وعلى ذلك فسره العلماء .
حدثنا عبد الرحمن بن يحيى ، nindex.php?page=showalam&ids=15829وخلف بن القاسم ، قالا : حدثنا أحمد بن محمد بن الحداد بكير ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17182موسى بن هارون ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16905أبو إسماعيل الترمذي ، حدثنا إسحاق بن موسى الهروي ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12430إسماعيل بن جعفر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16656عمارة بن غزية ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17183موسى بن وردان المصري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن المسلم إذا حضره الموت رأى بشره فلم يكن شيء أبغض إليه من المكث في الدنيا ، وإذا حضر الكافر الموت رأى بشره فلم يكن شيء أحب إليه من المكث في الدنيا .
قال أبو عمر : بشر جمع بشير مثل سرير وسرر ، وقد يخفف ذلك ويثقل مثل رسل ورسل ، وسبل وسبل ، وقد تكون البشرى بالخير والشر ، كما قال الله عز وجل : [ ص: 30 ] ( فبشرهم بعذاب أليم ) وقال أهل اللغة أيضا إنه قد يكون البشر جمع بشارة .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر ، nindex.php?page=showalam&ids=16502وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629محمد بن وضاح ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا شبابة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17003محمد بن عمرو بن عطاء ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11839سعيد بن يسار ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015169الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل الصالح ، قالوا : اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان ، قال : فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج ، ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها ، فيقال من هذا ؟ فيقولون : فلان ، فيقال : مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، ادخلي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان ، فلا يزال يقال ذلك حتى ينتهي بها إلى السماء - يعني السابعة - ، وإذا كان الرجل السوء ، وحضرته الملائكة [ ص: 31 ] عند موته ، قالت : اخرجي أيتها النفس الخبيثة ، كانت في الجسد الخبيث ، اخرجي ذميمة ، وأبشري بحميم ، وغساق ، وآخر من شكله أزواج ، فلا تزال يقال لها ذلك حتى تخرج وذكر الحديث .
وفيه ما يدل على أن ما ذكرنا nindex.php?page=treesubj&link=32873من حب لقاء الله وكراهته إنما ذلك عند حضور الوفاة ، ومعاينة ما له عند الله ، والله أعلم .
وفيه ما يدل على أن البشارة قد تكون بالخير والشر ، وبما يسوء وبما يسر ، وقد روي عن النبي عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه في حديث ذكره : أينما مررت بقبر كافر فبشره بالنار وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : بشر قاتل ابن صفية بالنار ، وقد حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16002سعيد بن نصر ، nindex.php?page=showalam&ids=16502وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13629ابن وضاح ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يزيد [ ص: 32 ] بن هارون ، أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=hadith&LINKID=1015171من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قيل : يا رسول الله ، ما منا أحد إلا وهو يكره الموت ، ويقطع به ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان ذلك كشف له .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15829خلف بن القاسم ، حدثنا حمزة بن محمد ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15397أحمد بن شعيب ، أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=17259هناد بن السري ، عن أبي زبيد ، عن مطرف ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14577عامر الشعبي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16099شريح بن هانئ ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=1015172من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قال شريح : فأتيت عائشة ، فقلت : يا أم المؤمنين [ ص: 33 ] سمعت nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثا إن كان كذلك فقد هلكنا ، فقالت : وما ذلك ؟ قلت : قال : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، وليس منا أحد إلا ويكره الموت ، قالت : قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن ليس بالذي تذهب إليه ، ولكن إذا طمح البصر ، وحشرج الصدر ، واقشعر الجلد ، فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ، فهذه الآثار كلها قد بان فيها أن ذلك عند حضور الموت ، ومعاينة ما هناك ، وذلك حين لا تقبل توبة التائب إن لم يتب قبل ذلك ، وقد ذكرنا هذا المعنى مجودا في باب نافع ، والحمد لله .