الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1810 [ ص: 142 ] حديث حادي عشر لأبي الزناد

مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : رأس الكفر نحو المشرق ، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر ، والسكينة في أهل الغنم .

التالي السابق


أما قوله : رأس الكفر نحو المشرق ، فهو أن أكثر الكفر وأكبره كان هناك ; لأنهم كانوا قوما لا كتاب لهم ، وهم فارس ومن وراءهم ، ومن لا كتاب له فهو أشد كفرا من أهل الكتاب ; لأنهم لا يعبدون شيئا ، ولا يتبعون رسولا ، فهذا والله أعلم معنى قوله : رأس الكفر نحو المشرق ، وقد مضى بعض هذا المعنى في كتابنا هذا عند قوله - صلى الله عليه وسلم - : من حيث يطلع قرن الشيطان ، فلا وجه لإعادة ذلك ههنا ، وأما أهل الخيل والإبل فهم الأعراب أهل الصحراء ، وفيهم التكبر ، والتجبر ، والخيلاء ، وهي الإعجاب ، والفخر ، والتبختر ، وأما أهل الغنم [ ص: 143 ] فهم أهل سكينة ، وقلة أذى ، وقلة فخر وخيلاء على ما قال النبي عليه السلام ، فهو الصادق في خبره - صلى الله عليه وسلم - .

وأما قوله الفدادين ، فكان مالك يقول : الفدادون هم أهل الجفاء ، وهم أهل الخيل والوبر - يريد بالوبر الإبل - وهو كما قال مالك ، قال أبو عبيد : هم الفدادون بالتشديد ، وهم الرجال ، والواحد فداد .

وقال الأصمعي : هم الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم وما يعالجون منها ، قال أبو عبيد : وكذلك قال الأصمعي ، قال : ويقال منه فد الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته ، وأنشد :


أنبئت أخوالي بني يزيد ظلما علينا لهم فديد

قال أبو عبيد : وكان أبو عبيدة يقول غير ذلك كله ، قال : الفدادون المكثرون من الإبل الذي يملك أحدهم المائتين منها إلى الألف ، يقال للرجال فداد إذا بلغ ذلك ، وهم مع هذا جفاة أهل خيلاء ، وقال الأخفش في الفدادين قولان : أحدهما أنهم الأعراب سموا بذلك لارتفاع أصواتهم عند سقي إبلهم [ ص: 144 ] وحركاتهم مع رعاء إبلهم ، والفديد الأصوات والجلبة ، وقيل : إنما سموا الفدادين من أجل الفدافد ، وهي الصحاري والبوادي الخالية ، واحدها فدفد ، والأول أجود .

قال أبو عمر : وروي من حديث قيس بن عاصم أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أهل الإبل أهل الجفاء ، قال أبو عمر : ليس إسناد هذا اللفظ بالقائم ، وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من لزم البادية جفا .

وروى الثوري ، وابن عيينة ، عن أبي موسى التمار ، عن وهب بن منبه ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سكن البادية جفا ، ومن اتبع الصيد غفل ، ومن لزم السلطان افتتن .

قال أبو عبيد : ومن هذا الحديث الذي يروى أن الأرض إذا دفن فيها الإنسان ، قالت له : ربما مشيت علي فدادا ، والمعنى ذا مال كثير وذا خيلاء .

[ ص: 145 ] قال أبو عمر : الحديث حدثناه قاسم بن محمد ، قال : حدثنا خالد بن سعد ، قال : حدثنا محمد بن فطيس ، قال : حدثنا بكر بن سهل ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن يحيى بن جابر الطائي ، عن ابن عائذ الأزدي ، عن غضيف بن الحارث ، قال : أتيت بيت المقدس أنا وعبد الله بن عبيد بن عمير ، قال : فجلسنا إلى عبد الله بن عمرو بن العاصي ، فسمعته يقول : إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول : يا ابن آدم ما غرك بي ؟ ألم تعلم أني بيت الوحدة ؟ ألم تعلم أني بيت الظلمة ؟ ألم تعلم أني بيت الحق ؟ يا ابن آدم ما غرك بي ؟ لقد كنت تمشي حولي فدادا ، قال ابن عائذ : قلت لغضيف : ما الفداد يا أبا أسماء ؟ قال : كبعض مشيتك يا ابن أخي أحيانا ، قال غضيف : فقال صاحبي ، وكان أكبر مني لعبد الله بن عمرو : فإن كان مؤمنا فماذا له ؟ قال : يوسع له في قبره ، ويجعل منزله أخضر ، ويعرج بنفسه إلى الله تعالى .




الخدمات العلمية