الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        فصل ( ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه ) وهذا اللفظ مروي عن النبي [ ص: 12 ] عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                        وقال عليه الصلاة والسلام : { من ملك ذا رحم محرم فهو حر }واللفظ بعمومه ينتظم كل قرابة مؤبدة بالمحرمية ولادا أو غيره ، والشافعي رحمه الله يخالفنا في غيره .

                                                                                                        له أن ثبوت العتق من غير مرضاة المالك ينفيه القياس أو لا يقتضيه ، والأخوة وما يضاهيها نازلة عن قرابة الولاد ، فامتنع الإلحاق أو الاستدلال به ، ولهذا امتنع التكاتب على المكاتب في غير الولاد ولم يمتنع فيه ، ولنا ما روينا ولأنه ملك قريبه قرابة موثرة في المحرمية فيعتق عليه ، وهذا هو المؤثر في الأصل والولاد ملغى لأنها هي التي يفترض وصلها ، ويحرم قطعها حتى وجبت النفقة وحرم النكاح ، ولا فرق بين ما إذا كان المالك مسلما أو كافرا في دار الإسلام لعموم العلة .

                                                                                                        والمكاتب إذا اشترى أخاه ومن يجري مجراه لا يتكاتب عليه ; لأنه ليس له ملك تام يقدره على الإعتاق والافتراض عند القدرة ، بخلاف الولاد ، لأن العتق فيه من مقاصد الكتابة فامتنع البيع فيعتق تحقيقا لمقصود العقد وعن أبي حنيفة رحمه الله أنه يتكاتب على الأخ أيضا ، وهو قولهما قلنا [ ص: 13 ] أن نمنع ، وهذا بخلاف ما إذا ملك ابنة عمه ، وهي أخته من الرضاع ، لأن المحرمية ما ثبتت بالقرابة والصبي جعل أهلا لهذا العتق ، وكذا المجنون حتى عتق القريب عليهما عند الملك ; لأنه تعلق به حق العبد فشابه النفقة .

                                                                                                        [ ص: 9 - 11 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 9 - 11 ] فصل الحديث الثالث :

                                                                                                        قال عليه السلام : { من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه }; قلت : أخرجه النسائي في " سننه " عن ضمرة بن ربيعة عن سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من ملك ذا رحم عتق }انتهى .

                                                                                                        قال النسائي : هذا حديث منكر ، ولا نعلم أحدا رواه عن سفيان غير ضمرة بن ربيعة الرملي انتهى .

                                                                                                        وقال الترمذي : ولم يتابع ضمرة على هذا الحديث ، وهو خطأ عند أهل الحديث انتهى .

                                                                                                        ورواه البيهقي ، وقال : إنه وهم فاحش ، والمحفوظ بهذا الإسناد حديث النهي عن بيع الولاء ، وعن هبته ، وضمرة بن ربيعة لم يحتج به صاحبا الصحيح انتهى .

                                                                                                        وقال عبد الحق في " أحكامه " : تفرد به ضمرة بن ربيعة الرملي عن الثوري ، وضمرة ثقة ، والحديث صحيح إذا أسنده ثقة ، ولا يضر انفراده به ، ولا إرسال من أرسله ، ولا وقف من وقفه ، انتهى .

                                                                                                        قال ابن القطان : وهذا الذي قاله أبو محمد هو الصواب ، ولو نظرنا الأحاديث لم نجد منها ما روي متصلا ، ولم يرو من وجه آخر منقطعا ، أو مرسلا أو موقوفا ، إلا القليل ، وذلك لاشتهار الحديث ، وانتقاله على ألسنة الناس ، قال : فجعل ذلك علة في الإخبار ، لا معنى له انتهى .

                                                                                                        وقال المنذري في " مختصر السنن " : وضمرة بن ربيعة هو [ ص: 12 ] أبو عبد الله الفلسطيني ، وثقه يحيى بن معين ، وغيره ، ولم يخرجا له في " الصحيح " ، كما قال البيهقي ; وقد حصل له في هذا الحديث وهم ، والله أعلم انتهى كلامه .

                                                                                                        الحديث الرابع : قال عليه السلام : { من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر }; قلت : أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من ملك ذا رحم محرم منه ، فهو حر }انتهى .

                                                                                                        أخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حماد وسعيد ; والباقون عن جماعة عن حماد ، قال أبو داود : لم يرو هذا الحديث إلا حماد بن سلمة ، وقد شك فيه ، فإن موسى بن إسماعيل قال في موضع آخر : عن سمرة فيما يحسب حماد ; وقد رواه شعبة مرسلا عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم وشعبة أحفظ من حماد ; وقال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه مسندا إلا من [ ص: 13 ] حديث حماد بن سلمة ، وقال في " علله الكبرى " .

                                                                                                        وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فلم يعرفه عن الحسن عن سمرة ، إلا من حديث حماد بن سلمة ، ويروى عن قتادة عن الحسن عن عمر انتهى .

                                                                                                        قلت : رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره مرسلا ; ورواه البيهقي بسند السنن ، وقال : إذا انفرد به حماد .

                                                                                                        وشك فيه ، وخالفه من هو أحفظ منه فوجب التوقف فيه ; وقد أشار البخاري إلى تضعيفه ، وقال علي بن المديني : هذا عندي منكر انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الحاكم في " المستدرك " من طريق أحمد بن حنبل به عن حماد بن سلمة عن عاصم الأحول ، وقتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعا ، وسكت عنه ، ثم أخرجه عن ضمرة بن ربيعة عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا : { من ملك ذا رحم فهو حر }انتهى .

                                                                                                        وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، وشاهده الحديث الصحيح المحفوظ عن سمرة بن جندب انتهى .

                                                                                                        وقال صاحب " التنقيح " : وقد تكلم في هذا الحديث بسبب انفراد حماد ، وشكه فيه ، ومخالفة غيره ممن هو أثبت منه ; وقد أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن حماد ، وذكر أبو داود [ ص: 14 ] فيه عن سمرة فيما يحسب حماد ، وقد رواه سعيد عن قتادة عن عمر بن الخطاب من قوله : وقتادة لم يدرك عمر ; وقد رواه الطحاوي من حديث الأسود عن عمر موقوفا ; وقد روي من حديث ابن عمر مرفوعا بإسناد مختلف فيه ; وروي بإسناد ضعيف من حديث عائشة ، وبإسناد ساقط من حديث علي انتهى .

                                                                                                        وموقوف عمر أخرجه أبو داود ، والنسائي عن قتادة عن عمر قال : من ملك ذا رحم محرم فهو حر ، انتهى .

                                                                                                        وأعل بأن قتادة لم يسمع من عمر ، فإن مولده بعد وفاة عمر بنيف وثلاثين سنة .

                                                                                                        والله أعلم .

                                                                                                        أحاديث الباب :

                                                                                                        أخرج الدارقطني عن أشعث بن عطاف عن العرزمي عن أبي النضر محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : { جاء رجل بأخيه ، فقال : يا رسول الله إني أريد أن أعتق أخي هذا ، فقال : إن الله أعتقه حين ملكته ، }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : العرزمي تركه ابن المبارك ، وابن مهدي ، ويحيى القطان انتهى .

                                                                                                        وقال ابن القطان : والكلبي متروك أيضا ، وهو القائل : كل ما حدثت به عن أبي صالح ، فهو كذب انتهى .

                                                                                                        وقال البيهقي : هذا مما لا يحل الاحتجاج به ، لإجماعهم على تركهم رواية الكلبي ، والعرزمي ; وروي عن حفص بن أبي داود عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس ، وحفص ضعيف انتهى




                                                                                                        الخدمات العلمية