الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( وإن أقر بعد ذهاب رائحتها لم يحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف [ ص: 157 ] رحمهما الله ، وقال محمد رحمه الله : يحد ) وكذلك إذا شهدوا عليه بعدما ذهب ريحها والسكر لم يحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف .

                                                                                                        رحمهما اللهوقال محمد رحمه الله : يحد ، فالتقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق ، غير أنه مقدر بالزمان عنده اعتبارا بحد الزنا ، وهذا لأن التأخير يتحقق بمضي الزمان والرائحة قد تكون من غيره كما قيل :

                                                                                                        يقولون لي إنك شربت مدامة فقلت لهم لا بل أكلت السفرجلا

                                                                                                        [ ص: 158 - 160 ]

                                                                                                        وعندهما يقدر بزوال الرائحة لقول ابن مسعود رضي الله عنه فيه : فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه ولأن قيام الأثر من أقوى دلالة القرب ، وإنما يصار إلى التقدير بالزمان عند تعذر اعتباره والتمييز بين الروائح ممكن للمستدل وإنما تشتبه على الجهال .

                                                                                                        [ ص: 161 ] وأما الإقرار فالتقادم لا يبطله عند محمد رحمه الله كما في حد الزنا على ما مر تقريره ، وعندهما لا يقام الحد إلا عند قيام الرائحة لأن حد الشرب ثبت بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ولا إجماع إلا برأي ابن مسعود رضي الله عنه وقد شرط قيام الرائحة على ما رويناه

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : روي عن ابن مسعود أنه قال : فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه قلت : غريب بهذا اللفظ ، وروى عبد الرزاق في " مصنفه " حدثنا سفيان الثوري عن يحيى بن عبد الله التيمي الجابر عن أبي ماجد الحنفي ، قال : جاء رجل بابن أخ له سكران إلى عبد الله بن مسعود ، فقال عبد الله : ترتروه ، ومزمزوه ، واستنكهوه ، ففعلوا ، فرفعه إلى السجن ، ثم عاد به من الغد ، ودعا بسوط ، ثم أمر بثمرته فدقت بين حجرين حتى صارت درة ، ثم قال للجلاد : اجلد ، وارجع تلك ، وأعط كل عضو حقه ، انتهى .

                                                                                                        ومن [ ص: 161 ] طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في " معجمه " ، ورواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " أخبرنا جرير بن عبد الحميد عن يحيى بن عبد الله الجابر به ، وأخرج البخاري ، ومسلم في " صحيحيهما " عن { ابن مسعود أنه قرأ سورة يوسف ، فقال رجل : ما هكذا أنزلت ، فقال عبد الله : والله لقرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أحسنت ، فبينما هو يكلمه إذ وجد منه رائحة الخمر ، فقال : أتشرب الخمر ، وتكذب بالكتاب ؟ فضربه الحد }انتهى .

                                                                                                        وأخرج الدارقطني في " سننه " بسند صحيح عن السائب بن يزيد عن عمر بن الخطاب أنه ضرب رجلا وجد منه ريح الخمر وفي لفظ : ريح شراب الحد تاما انتهى .

                                                                                                        قوله : وحد الشرب ، ثبت بالإجماع من الصحابة ، ولا إجماع إلا برأي ابن مسعود ، وقد شرط قيام الرائحة على ما رويناه قلت : تقدم كل ذلك .




                                                                                                        الخدمات العلمية