الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وإذا قطع السارق والعين قائمة في يده ردت إلى صاحبها ) لبقائها على ملكه ( وإن كانت مستهلكة لم يضمن ) وهذا الإطلاق يشمل الهلاك والاستهلاك ، وهو رواية أبي يوسف رحمه الله عن أبي حنيفة رحمه الله وهو المشهور ، وروى الحسن عنه أنه يضمن بالاستهلاك ، وقال الشافعي رحمه الله : يضمن فيهما لأنهما حقان قد اختلف مسبباهما فلا يمتنعان فالقطع حق الشرع .

                                                                                                        وسببه ترك الانتهاء عما نهي عنه ، والضمان حق العبد وسببه أخذ المال فصار كاستهلاك صيد مملوك في الحرم أو شرب خمر مملوكة لذمي .

                                                                                                        ولنا : قوله عليه الصلاة والسلام : { لا غرم على السارق بعدما قطعت يمينه }" ولأن وجوب الضمان ينافي القطع لأنه يتملكه بأداء الضمان مستندا إلى وقت الأخذ فتبين أنه ورد على ملكه ، فينتفي القطع للشبهة ، وما يؤدي إلى انتفائه فهو المنتفي ، ولأن المحل لا يبقى معصوما حقا للعبد ، إذ لو بقي لكان مباحا في نفسه فينتفي القطع للشبهة فيصير محرما حقا للشرع كالميتة ولا ضمان فيه ، إلا أن العصمة لا يظهر سقوطها في حق الاستهلاك ، لأنه فعل آخر غير السرقة ولا ضرورة في حقه ، وكذا الشبهة تعتبر فيما هو السبب دون غيره .

                                                                                                        ووجه المشهور أن الاستهلاك إتمام المقصود فتعتبر الشبهة فيه ، وكذا يظهر سقوط العصمة في حق الضمان ; لأنه من ضرورات سقوطها في حق الهلاك لانتفاء المماثلة .

                                                                                                        [ ص: 210 - 214 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 210 - 214 ] الحديث الرابع عشر : قال عليه السلام : { لا غرم على السارق بعدما قطعت يمينه }" قلت غريب بهذا اللفظ ، وبمعناه ما أخرجه النسائي في " سننه " عن حسان بن عبد الله عن المفضل بن فضالة عن يونس بن يزيد عن سعد بن إبراهيم عن المسور بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يغرم صاحب السرقة إذا أقيم عليه الحد }انتهى : قال النسائي : هذا مرسل ، وليس بثابت انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في [ ص: 215 ] سننه " بلفظ : { لا غرم على السارق بعد قطع يمينه }انتهى .

                                                                                                        وقال : والمسور بن إبراهيم لم يدرك عبد الرحمن بن عوف ، فإن صح إسناده فهو مرسل ، قال : وسعد بن إبراهيم مجهول انتهى .

                                                                                                        قال ابن القطان : وصدق فيما قال ، انتهى .

                                                                                                        ورواه البزار في " مسنده " بلفظ : { لا يضمن السارق سرقته بعد إقامة الحد }.

                                                                                                        قال : والمسور بن إبراهيم لم يلق عبد الرحمن بن عوف انتهى .

                                                                                                        ورواه الطبراني في " معجمه الوسط " قال : لا يروى عن عبد الرحمن بن عوف إلا بهذا الإسناد ، وهو غير متصل ، لأن المسور لم يسمع من جده عبد الرحمن انتهى .

                                                                                                        وقال عبد الحق في " أحكامه " : إسناده منقطع قال ابن القطان في " كتابه " : وفيه مع الانقطاع بين المسور وجده عبد الرحمن بن عوف ، انقطاع آخر بين المفضل

                                                                                                        ويونس ، فقد رواه إسحاق بن الفرات عن المفضل بن فضالة ، فجعل فيه الزهري بين يونس بن يزيد ، وسعد بن إبراهيم ، قال : وفيه مع ذلك الجهل بحال المسور ، فإنه لا يعرف له حال انتهى كلامه .

                                                                                                        وقال ابن أبي حاتم " في كتاب العلل " : سألت أبي عن [ ص: 216 ] حديث رواه المفضل بن فضالة عن يونس بن يزيد الأيلي عن سعد بن إبراهيم عن المسور بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : { لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد }" ، فقال أبي : هذا حديث منكر ، ومسور لم يلق عبد الرحمن انتهى .

                                                                                                        وقال البيهقي في " كتاب المعرفة " : هذا حديث رواه المفضل بن فضالة قاضي مصر ، واختلف عليه فيه ، فقيل : عنه عن يونس بن يزيد عن سعد ، وقيل : عنه عن يونس عن الزهري عن سعد ، وقيل عنه عن يونس عن سعد بن إبراهيم عن أخيه المسور ، فإن كان سعد هذا هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، فقال أهل العلم بالحديث : لا نعرف له في التواريخ أخا معروفا بالرواية يقال له : المسور ، وإن كان غيره ، فلا نعرفه ، ولا نعرف أخاه ، قال البيهقي : وقد رأيت حديثا لسعد بن محمد بن المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، فإن هذا الانتساب كان صحيحا ، وثبت كون المسور أخا لسعد بن إبراهيم ، فلم يثبت له سماع من جده عبد الرحمن ، ولا رؤية ، وذلك لأن إبراهيم بن عبد الرحمن كان في خلافة عمر بن الخطاب صبيا صغيرا ، ومات أبوه في خلافة عثمان ، فإنما كان أدرك أولاده بعد موت أبيه ، وإنما رواية ابنيه المعروفين : صالح ، وسعد عن أبيهما عن عبد الرحمن ، فهذا الذي عرفناه بحفدته وفيه نظر لا يعرف له رؤية ، ولا رواية عن جده ، ولا عن غيره من الصحابة ، فهو مع الجهالة منقطع ، وبمثل هذه الرواية [ ص: 217 ] لا تترك أموال المسلمين تذهب باطلا ، وقد قال عليه السلام .

                                                                                                        { على اليد ما أخذت حتى تؤدي }" ، انتهى كلامه بحروفه .

                                                                                                        وقال في " التنقيح " : يوجد في بعض النسخ سعيد بن إبراهيم ، والمعروف سعد .

                                                                                                        قال ابن أبي حاتم : مسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أخو صالح ، وسعد بن إبراهيم روى عن عبد الرحمن بن عوف مرسلا ، وقال ابن المنذر : سعد بن إبراهيم هذا مجهول ، وقيل : إنه الزهري قاضي المدينة .

                                                                                                        وهو أحد الثقات الأثبات ، لكن قال البيهقي : إن الزهري لا يعرف له أخ معروف بالرواية يقال له : المسور .

                                                                                                        والله أعلم .




                                                                                                        الخدمات العلمية