( ) يريد به إذا كان لأهل كل مصر ديوان على حدة ، لأن التناصر بالديوان عند وجوده ولو كان باعتبار القرب في السكنى فأهل مصره أقرب إليه من أهل مصر آخر ( ويعقل أهل كل مصر من أهل سوادهم ) لأنهم أتباع لأهل المصر فإنهم إذا حزبهم أمر استنصروا بهم فيعقلهم أهل المصر باعتبار معنى القرب في النصرة ( ومن كان منزله ولا يعقل أهل مصر عن مصر آخر بالبصرة وديوانه بالكوفة عقل عنه أهل الكوفة ) لأنه يستنصر بأهل ديوانه لا بجيرانه . والحاصل : أن الاستنصار بالديوان أظهر فلا يظهر معه حكم النصرة بالقرابة [ ص: 485 ] والنسب والولاء وقرب السكنى وغيره وبعد الديوان النصرة بالنسب على ما بيناه ، وعلى هذا يخرج كثير من صور مسائل المعاقل ( ومن جنى جناية من أهل المصر وليس له في الديوان عطاء وأهل البادية أقرب إليه ومسكنه المصر عقل عنه أهل الديوان من ذلك المصر ) ولم يشترط أن يكون بينه وبين أهل الديوان قرابة ، قيل هو صحيح ، لأن الذين يذبون عن أهل المصر ويقومون بنصرتهم ويدفعون عنهم أهل الديوان من أهل المصر ولا يخصون به أهل العطاء . وقيل تأويله : إذا كان قريبا لهم ، وفي الكتاب إشارة إليه حيث قال : وأهل البادية أقرب إليه من أهل المصر ، وهذا لأن الوجوب عليهم بحكم القرابة وأهل المصر أقرب منهم مكانا فكانت القدرة على النصرة لهم وصار نظير مسألة الغيبة المنقطعة ( ) لأن أهل العطاء لا ينصرون من لا مسكن له فيه كما أن أهل البادية لا تعقل عن أهل المصر النازل فيهم لأنه لا يستنصر بهم ( ولو كان البدوي نازلا في المصر لا مسكن له فيه لا يعقله أهل المصر لأهل الذمة عواقل معروفة يتعاقلون بها فقتل أحدهم قتيلا فديته على عاقلته بمنزلة المسلم ) لأنهم التزموا أحكام الإسلام في المعاملات لا سيما في المعاني العاصمة عن الأضرار ومعنى التناصر موجود في حقهم ( وإن لم تكن لهم عاقلة معروفة فالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى بها عليه ) كما في حق المسلم لما بينا أن الوجوب على القاتل ، وإنما يتحول عنه إلى العاقلة أن لو وجدت ، فإذا لم توجد بقيت عليه بمنزلة تاجرين مسلمين في دار الحرب قتل أحدهما صاحبه يقضى بالدية عليه في ماله ، لأن أهل دار الإسلام لا يعقلون عنه وتمكنه من هذا القتل ليس بنصرتهم ( وإن كان ) لعدم التناصر والكفار يتعاقلون فيما بينهم وإن اختلفت مللهم ، لأن الكفر كله ملة واحدة قالوا : هذا إذا لم تكن المعاداة فيما بينهم ظاهرة ، أما إذا كانت ظاهرة ولا يعقل كافر عن مسلم ولا مسلم عن كافر كاليهود والنصارى ينبغي أن لا يتعاقلون بعضهم [ ص: 486 ] عن بعض وهكذا عن رحمه الله لانقطاع التناصر ، ولو كان القاتل من أهل أبي يوسف الكوفة وله بها عطاء ، فحول ديوانه إلى البصرة ثم رفع إلى القاضي ، فإنه يقضى بالدية على عاقلته من أهل البصرة . وقال رحمه الله تعالى: يقضى على عاقلته من أهل زفر الكوفة وهو رواية عن رحمه الله ، لأن الموجب هو الجناية وقد تحققت وعاقلته أهل أبي يوسف الكوفة وصار كما إذا حول بعد القضاء . ولنا أن المال إنما يجب عند القضاء لما ذكرنا أن الواجب هو المثل وبالقضاء ينتقل إلى المال ، وكذا الوجوب على القاتل وتتحمل عنه عاقلته وإذا كان كذلك يتحمل عنه من يكون عاقلته عند القضاء بخلاف ما بعد القضاء لأن الواجب قد تقرر بالقضاء فلا ينتقل بعد ذلك لكن حصة القاتل تؤخذ من عطائه بالبصرة لأنها تؤخذ من العطاء وعطاؤه بالبصرة ، بخلاف ما إذا قلت العاقلة بعد القضاء عليهم حيث يضم إليهم أقرب القبائل في النسب ، لأن في النقل إبطال حكم الأول فلا يجوز بحال ، وفي الضم تكثير المتحملين لما قضي به عليهم فكان فيه تقرير الحكم الأول لا إبطاله ، وعلى هذا لو كان القاتل مسكنه بالكوفة وليس له عطاء فلم يقض عليه حتى استوطن البصرة قضي بالدية على أهل البصرة ولو كان قضي بها على أهل الكوفة لم ينتقل عنهم ، وكذا البدوي إذا ألحق بالديوان بعد القتل قبل القضاء يقضى بالدية على أهل الديوان وبعد القضاء على عاقلته بالبادية لا يتحول عنهم وهذا بخلاف ما إذا كان قوم من أهل البادية قضي بالدية عليهم في أموالهم في ثلاث سنين ثم جعلهم الإمام في العطاء حيث تصير الدية في أعطياتهم ، وإن كان قضي بها أول مرة في أموالهم لأنه ليس فيه نقض القضاء الأول ، لأنه قضي بها في أموالهم وأعطياتهم أموالهم غير أن الدية تقضى من أيسر الأموال أداء والأداء من العطاء أيسر إذا صاروا من أهل العطاء ، إلا إذا لم يكن مال العطاء من جنس ما قضي به عليه بأن كان القضاء بالإبل والعطاء دراهم فحينئذ لا تتحول إلى دراهم أبدا لما فيه من إبطال القضاء الأول ، لكن [ ص: 487 ] يقضى ذلك من مال العطاء لأنه أيسر .