الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        فصل

                                                                                                        قال : ( ومن أوصى بوصايا من حقوق الله تعالى قدمت الفرائض منها قدمها الموصي أو أخرها مثل الحج والزكاة والكفارات ) لأن الفريضة أهم من النافلة ، والظاهر منه البداءة بما هو الأهم ( فإن تساوت في القوة بدئ بما قدمه الموصي إذا ضاق عنها الثلث ) لأن الظاهر أنه يبتدئ بالأهم . وذكر الطحاوي رحمه الله أنه يبتدئ بالزكاة ويقدمها على الحج وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله ، وفي رواية عنه أنه يقدم الحج وهو قول محمد رحمه الله . وجه الأولى أنهما وإن استويا في الفريضة فالزكاة تعلق بها حق العباد فكان أولى ، وجه الأخرى أن الحج يقام بالمال والنفس والزكاة بالمال قصرا عليه فكان الحج أقوى ثم تقدم الزكاة والحج على الكفارات لمزيتهما عليها في القوة ، إذ قد جاء فيهما من الوعيد ما لم يأت في الكفارات والكفارة في القتل والظهار ، واليمين مقدمة على صدقة الفطر لأنه عرف وجوبها دون صدقة الفطر وصدقة الفطر مقدمة على الأضحية للاتفاق على وجوبها بالقرآن والاختلاف في الأضحية ; وعلى هذا القياس يقدم بعض الواجبات على البعض .

                                                                                                        [ ص: 517 - 520 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 517 - 520 ] فصل

                                                                                                        قوله : ثم تقدم الزكاة ، والحج على الكفارات لمزيتهما عليها في القوة ، إذ قد جاء [ ص: 521 ] فيها من الوعيد ما لم يأت في الكفارة ; قلت : أما حديث الوعيد في ترك الزكاة : فمنها [ ص: 522 ] ما أخرجه البخاري ، ومسلم عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها ، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار ، فأحمي عليها في نار جهنم ، فتكوى بها جنبه ، وجبينه ، وظهره ، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين العباد ، فيرى سبيله ، إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، قيل : يا رسول الله فالإبل ؟ قال : ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر ، فتطؤه بأخفافها ، وتعضه بأفواهها ، كلما مر عليه أولاها ، رد عليه أخراها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين العباد ، فيرى سبيله ، إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، قيل : يا رسول الله ، فالبقر ، والغنم ؟ قال : ولا صاحب بقر ، ولا غنم لا يؤدي منها حقها ، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر ، فتنطحه بقرونها ، وتطؤه بأظلافها ، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى بين العباد } ، الحديث .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه البخاري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أتاه الله مالا ، فلم يؤد زكاته ، مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع ، له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ، ثم يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ثم يقول : أنا مالك . أنا كنزك ، ثم تلا : { ولا يحسبن الذين يبخلون }الآية }انتهى . قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : ورواه مالك عن عبد الله بن دينار ، فوقفه على أبي هريرة ، ورواه عبد العزيز بن الماجشون عن عبد الله بن دينار ، فخالف في الإسناد ، وقال فيه : عن ابن عمر ، هكذا أخرجه النسائي ، قال ابن عبد البر : وهو عندي خطأ ، ورواية مالك ، وعبد الرحمن هي الصحيحة انتهى كلامه .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه مسلم عن أبي الزبير عن جابر ، قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : { ما من صاحب إبل ، ولا بقر ، ولا غنم لا يؤدي حقها ، إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر ، [ ص: 523 ] تطؤه ذات الظلف بظلفها ، وتنطحه ذات القرن بقرنها ، ليس فيها يومئذ جماء ، ولا مكسورة القرن ، وما من صاحب مال لا يؤدي زكاته إلا تحول يوم القيامة شجاعا أقرع يتبع صاحبه حيثما ذهب ، وهو يفر منه ، ويقال : هذا مالك الذي كنت تبخل به ، فإذا رأى أنه لا بد له منه أدخل يده في فيه ، فجعل يقضمها كما يقضم الفحل }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه ابن ماجه في " سننه " حدثنا محمد بن أبي عمر العدني ثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن أعين . وجامع بن أبي راشد سمعا شقيق بن سلمة يخبر عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله ، إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع ، حتى يطوق عنقه ، ثم قرأ علينا النبي صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله تعالى : { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله }الآية }انتهى . ورجاله رجال الصحيح .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه الترمذي من طريق عبد الرزاق ثنا الثوري عن أبي جناب الكلبي عن الضحاك عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من كان عنده مال يبلغه حج بيت ربه ، ويجب عليه فيه زكاة ، فلم يفعل سأل الرجعة ، فقال له رجل : اتق الله يا ابن عباس ، إنما يسأل الرجعة الكافر ، فقال : أنا أقرأ به عليك قرآنا { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم }إلى آخر السورة } ، ذكره في " تفسير سورة المنافقين " ، ثم أخرجه عن جعفر بن عون عن أبي جناب به موقوفا ، قال الترمذي : وهكذا رواه ابن عيينة ، وغير واحد عن الكلبي عن الضحاك عن ابن عباس ، ولم يرفعوه ، وهو أصح من رواية عبد الرزاق ، وأبو جناب القصاب اسمه يحيى بن أبي حية ، وليس بالقوي في الحديث ، انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بأبي جناب الكلبي ، وأسند تضعيفه عن النسائي ، والسعدي عن يحيى بن معين ، وعمرو بن علي الفلاس ، ويحيى القطان . [ ص: 524 ]

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن يحيى بن أبي كثير حدثني عامر العقيلي أن أباه أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة ، وأول ثلاثة يدخلون النار ، فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة ، فالشهيد ، وعبد أدى حق الله ، ونصح سيده ، وفقير متعفف ذو عيال ، وأما أول ثلاثة يدخلون النار : فسلطان مسلط ، وذو ثروة من المال لم يعط حق ماله ، وفقير فجور }انتهى .

                                                                                                        وقال ، الحاكم : وهذا أصل في الباب تفرد به يحيى بن أبي كثير ، ولم يخرجاه ، وله شاهد صحيح ، ثم أخرج عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق ، قال : قال عبد الله : آكل الربا ، ومؤكله ، وشاهده ، ولاوي الصدقة ، ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم انتهى . وقال : هذا صحيح على شرط مسلم انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه الطبراني في " معجمه " ، والحاكم في " المستدرك في الفتن " عن حفص بن غيلان عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : لن يمنع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ، }انتهى . وصححه الحاكم .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه ابن عدي في " الكامل " حدثني محمد بن عبد الله بن محمد أبو جعفر الرازي ثنا محمد بن عقيل بن أزهر ثنا سعيد بن القاسم ثنا سفيان بن عيينة ، سمعت الزهري عن السائب بن يزيد ، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم { ، قال : من صلى الصلاة ، ولم يؤد الزكاة ، فلا صلاة له }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في " كتاب الإمام " بإسناده عن الليث بن سعد ، وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مانع الزكاة في النار }انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ : رواه الحافظ أبو طاهر السلفي ، فيما خرجه لأبي عبد الله الرازي ، وسعد بن سنان مختلف في اسمه ، وفي توثيقه انتهى كلامه . أحاديث الحج :

                                                                                                        أخرج الترمذي عن هلال بن عبد الله مولى ربيعة بن عمرو بن مسلم الباهلي ثنا أبو إسحاق الهمداني عن الحارث عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 525 ] { من ملك زادا ، وراحلة تبلغه إلى بيت الله ، ولم يحج ، فلا عليه أن يموت يهوديا ، أو نصرانيا }انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وفي إسناده مقال ، وهلال بن عبد الله مجهول ، والحارث يضعف في الحديث انتهى .

                                                                                                        ورواه البزار في " مسنده " بلفظ : { فلا يضره يهوديا مات ، أو نصرانيا } ، وقال : هذا حديث لا نعلم له إسنادا عن علي إلا هذا الإسناد ، وهلال هذا بصري ، حدث عنه غير واحد من البصريين : عفان بن مسلم ، ومسلم بن إبراهيم ، وغيرهما ، ولا نعلمه يروي عن علي إلا من هذا الوجه انتهى .

                                                                                                        وهذا يدفع قول الترمذي في هلال : إنه مجهول ، إلا أن يريد جهالة الحال ، والله أعلم . ورواه العقيلي ، وابن عدي في " كتابيهما " ، قال ابن عدي : وهلال هذا لم ينسب ، وهو مولى ربيعة بن عمرو ، ويكنى أبا هاشم ، وهو معروف بهذا الحديث ; والحديث ليس بمحفوظ ، وأسند عن البخاري أنه قال : منكر الحديث ، وقال العقيلي : لا يتابع عليه ، وقد روي موقوفا على علي ، ولم يرو مرفوعا من طريق أصلح من هذا انتهى .

                                                                                                        وقال ابن القطان في " كتابه " : وعلة هذا الحديث ضعف الحارث ، والجهل بحال هلال بن عبد الله ، مولى ربيعة بن عمرو بن مسلم الباهلي . .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه الدارمي في " مسنده " أخبرنا يزيد بن هارون عن شريك عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من لم يمنعه من الحج حاجة ظاهرة ، أو سلطان جائر ، أو مرض حابس ، فمات ، ولم يحج ، فليمت إن شاء ، يهوديا ، وإن شاء نصرانيا }انتهى .

                                                                                                        وأرسله ابن أبي شيبة في " مصنفه " ، فقال : حدثنا أبو الأحوص عن سلام بن سليم عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره ، قال الشيخ " في الإمام " : وليث هذا هو ابن أبي سليم ، وهو ضعيف ، قد روى هذا الحديث عن علي ، وأبي هريرة ، وحديث أبي أمامة على ما فيه أصلحها ; وقد روى سعيد بن منصور ثنا هشيم ثنا منصور عن الحسن ، قال : قال عمر بن الخطاب لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار ، فينظروا كل من كانت له [ ص: 526 ] جدة ، ولم يحج ، فيضربوا عليهم الجزية ، ما هم بمسلمين ، ما هم بمسلمين ، انتهى .

                                                                                                        وقال صاحب " التنقيح " : وقد رواه عن شريك غير يزيد مسندا ، قال أبو يعلى الموصلي : حدثنا بشر بن الوليد الكندي ثنا شريك عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة مرفوعا ، قال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق أنبأ شاذان ثنا شريك عن ليث عن ابن سابط عن أبي أمامة ، قال البيهقي : وهذا وإن كان إسنادا غير قوي ، فله شاهد من قول عمر بن الخطاب ، ثم أخرج عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن نعيم أن الضحاك بن عبد الرحمن أخبره أن عبد الرحمن بن غنم أخبره أنه سمع عمر يقول : من مات ، وهو موسر لم يحج ، فليمت على أي حال شاء ، يهوديا ، أو نصرانيا ، وقد روى هذا الحديث عن ليث عن شريك مرسلا ، وهو أشبه بالصواب ، قال الإمام أحمد في " كتاب الإيمان " حدثنا وكيع عن سفيان الثوري عن ليث عن ابن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، حدثنا إسماعيل ابن علية عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط ، فذكره ، هكذا رواه أحمد من حديث الثوري ، وابن علية عن ليث مرسلا ، وهو الصحيح .

                                                                                                        وعن عمر رواه أحمد أيضا في كتاب " الإيمان " حدثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم عن عدي بن عدي عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عزرم ، ويقال : عرزب ، عن أبيه ، قال : قال عمر ، فذكره انتهى كلام صاحب " التنقيح " . .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه ابن عدي في " الكامل " عن عبد الرحمن بن القطامي ثنا أبو المهزم عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من مات ، ولم يحج حجة الإسلام في غير وجع حابس ، أو حاجة ظاهرة ، أو سلطان جائر ، فليمت ، أي الملتين شاء : إما يهوديا ، وإما نصرانيا }انتهى .

                                                                                                        قال ابن الجوزي : عبد الرحمن بن القطامي قال الفلاس : كان كذابا ، وقال صاحب " التنقيح " : روى عن أبي المهزم عن أبي هريرة بنسخة موضوعة انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه الواحدي في " تفسير الوسيط " أخبرنا الفضيل بن أحمد الصوفي أنبأ أبو علي بن أبي موسى ثنا محمد بن معاذ بن الفرح ثنا علي بن خشرم ثنا عيسى بن يونس ثنا عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : { من [ ص: 527 ] لم يحج ، ولم يحج عنه ، لم يقبل له يوم القيامة عمل }انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي في " شعب الإيمان " بعد أن روى حديث أبي أمامة ، بسند الدارمي : وهذا الحديث إن صح ، فالمراد والله أعلم إذا كان لا يرى تركه مأثما ، ولا فعله برا والله أعلم انتهى كلامه .




                                                                                                        الخدمات العلمية