الشرط الثاني : أن يكون القاتل أعلى رتبة  ، وللعلو أسباب أربعة : 
السبب الأول : الإسلام ، فلا يقتص من مسلم لكافر  ، ولا من حر لعبد ، وتقدم الخلاف فيه والتعذير . وفي الجواهر : إذا صادف القتل تكافؤ الدماء  لم يسقط القصاص بزواله ، كالكافرين يسلم أحدهما بعد الجناية ، أو أحد العبدين ، ولا يعتبر التفاوت في فاقد العصمة فيقتل الذمي بالمعاهد ، فإن تغير حال الذمي قبل إصابة السهم ، ثم أصابه  فالعبرة عند  ابن القاسم     : بحال الإصابة : لأنه وقت للسلب ، وعند   سحنون     : بحال الذمي ; لأنه وقت اكتساب الجناية ، فإن عتق العبد الرامي قبل الإصابة    . قال   سحنون     : الجناية في رقبته اعتبارا بحال الرمي . وقال الأستاذ  أبو بكر     : من يعتبر حال الإصابة فالدية على العاقلة ، وعكسه لو رمى عبدا فعتق قبل الإصابة  فعلى الأصلين تجب إما دية حر أو قيمة عبد ، فإن رمى عبد نفسه ثم أعتقه قبل الإصابة  تخرجت الدية على ما تقدم ، فإن رمى مرتدا فأسلم ، أو حربي فأسلم قبل الإصابة فقتله أو جرحه    . قال   سحنون     : لا قصاص على الرامي ; لأنه رمى في وقت لا قود فيه ولا عقل ، وعلى قول  ابن القاسم     : الدية عليها ، حالة في ماله ; لأنه لو جرح وهو مرتد ثم مات من جرحه بعد أن أسلم  أقسم : ولاته لمات منه وديته في ماله ، ولو رمى صيدا وهو حلال ولم تصل إليه الرمية   [ ص: 333 ] حتى أحرم  ، فعليه جزاؤه . قال الأستاذ  أبو بكر     : إن قطع مسلم يد مسلم ثم ارتد المقطوع ومات مرتدا أو قتل  اقتص من الجاني في اليد ، ولا يقسم ولاته فيقتلوه ; لأن الموت كان وهو مرتد ، فيلزم  ابن القاسم  من هذا أن الاعتبار بحال العاقبة لا بالمبتدأ . وإن رمى مرتد ثم أسلم ثم أصاب سهمه رجلا خطأ    : قال   سحنون     : أنا وإن كنت أعتبر حالة الرمي ، فهاهنا الدية على العاقلة ، وإن كان ليس من أهل العاقلة وقت الرمي ، إذ لا عاقلة للمرتد ، وإنما النظر إلى الدية وقت فرضها ، ولم يحكم فيها هاهنا حتى أسلم ، فله عاقلة ، وقد اتفق الأصحاب : أنه إن جنى خطأ ثم أسلم  أن عاقلته تحمل ذلك ، فكذلك هذا ، وفي قوله الأول : الدية في ماله نظرا إلى وقت الجناية ، واختلف في دية المرتد إن جرح مرتد أو مات من جرحه بالسراية بعد أن أسلم  ؟ فقيل : على الدين الذي ارتد إليه . وقال  ابن القاسم     : ديته دية مسلم ، وكذلك لو كان المرمي نصرانيا فأسلم قبل وصول السهم ; لأنه لا قصاص فيه ، بل دية مسلم في قول  ابن القاسم  ، وفي جرحه دية مسلم عنده . وقال  أشهب     : دية نصراني في جرحه . قال   سحنون     : ويلزم على قوله لو كان مرتدا وأسلم قبل وصول الرمية أنه لا قود على الرامي ولا دية ; لأنه وقت الرمي مباح الدم . وقد قال   سحنون  في عبد رمى رجلا ثم عتق قبل وصول رميته    : أن جنايته جناية عبد . وقال أصحابنا أجمع : في مسلم قطع يد نصراني ، ثم أسلم ، ثم مات    ; أنه لا قود على المسلم ، ولأوليائه أخذ ديته ; دية نصراني ، أو يقسمون ولهم دية مسلم في مال الجاني حالة في قول  ابن القاسم     . وقال  أشهب     : دية نصراني اعتبارا بوقت الضرب ، وإن كانت الجناية خطأ ولم يقسم ورثته ، فلهم دية نصراني على عاقلة الجاني مؤجلة ، وفي قول  ابن   [ ص: 334 ] القاسم     : دية مسلم على عاقلته ومن هذا الأصل : قطع رجل يد عبد ثم أعتقه سيده ، ثم ارتد  ، فسرى إلى النفس ، ففي قول   سحنون  الأول : عليه لسيده ما نقصته الجناية ، وعلى قوله الثاني : لا شيء على القاطع ، لأنه صار مباح الدم يوم مات ، وكذلك إن رمى قاتل أبيه ثم عفا عن القصاص قبل الإصابة  ، فعلى قول   سحنون  الأول : لا يجب عليه شيء ، وعلى الثاني : يجب اعتبارا بحال الإصابة ، أو جنى مسلم على نصراني فتمجس النصراني  ، ثم سرى إلى النفس ، أو مسلم على مجوسي ، ثم تهود ثم سرى إلى النفس ، فعلى قول  أشهب     : دية أهل الدين الأول في المسلمين . وعلى القول الثاني : الدين الذي انتقل إليه . وأما مسلم جرح مسلما ، فارتد المجروح ثم سرى إلى النفس ، فلا قود ; لأنه صار إلى ما أحل دمه . قال صاحب القبس : اختلف قول  مالك  في القصاص بين المسلمين والذمة في الأطراف  ، وهي معضلة وهم فيها أصحابنا فظنوا أن  مالكا  لاحظ فيها - على هذه الرواية - أنها أموال ; لأنها يقضى فيها بالشاهد واليمين ، وهو ينتقض بقوله : تقطع الأيدي باليد ، بل لاحظ أن يد المسلم تقطع بالجناية على مال الكافر بالسرقة ، فتقطع بالجناية على يده بخلاف النفس ; لأنها أعظم حرمة ، ولاحظ في الرواية الصحيحة القياس على النفس ، والقطع في السرقة حق لله تعالى ، لا لمال الكافر ، كما لو قتل المسلم الكافر حرابة ; فإنه يقتل به ، وروى ( ش ) هذه الرواية ، وقال ( ح ) : تعتبر المماثلة في الدية ، وقد تقدم بسطه . 
السبب الثاني : الحرية    . وفي الجواهر : لا يقتل حر برقيق ولا من بعضه رق ، ولا فيه عقد من عقود الحرية كتابة أو تدبيرا ، وأم ولد ، أو معتق إلى أجل ،   [ ص: 235 ] كما لا يقطع يد بيد أحدهم ، وقتل الرقيق بالحر  إن اختار الولي ، ويقتل المستولد بالمكاتب والمدبر ، ومن فيه عقد حرية بمن ليس هو كذلك من الرقيق ، وكل من لا يقتص لهم من الحر لنقصان حرمتهم بالرق فدماؤهم متكافئة ، يقتص لبعضهم من بعض ، وإن رجح بعضهم على بعض بعقد حرية ، أو بحصول بعض الحرية ، ولا يقتص من العبد المسلم للحر الذمي  تغليبا للإسلام ، ويخير سيده في افتكاكه بديته ، أو يسلمه فيباع على أولياء القتيل ، ويقتص العبد المسلم منه عند  ابن القاسم     ; فإن قال سيده : لا أقتله وآخذ قيمة عبدي فذلك له ; لأنه ماله . وقال   سحنون     : إنما عليه قيمته لأنه سلعة أتلفها ، واختلف قول  ابن القاسم  فقال : يضرب ولا يقتل . قال  ابن القاسم     : وليس للسيد أن يعفو على الدية ، وهو كالحر يقتل الحر ليس فيه إلا القتل ، أو يصطلحان على دية شيء . وقال  أصبغ     : فيه العفو إلا أن يكون غيلة ، ويصير كالنصراني يقتل الحر المسلم ، على العداوة والنائرة ، فلوليه العفو على الدية والقتل . قال  محمد     : الأحسن أن يخير السيد في قتل النصراني أو أخذ قيمة عبده ; لأنه مال أتلفه عليه . 
السبب الثالث : الأبوة    . وفي الجواهر : هي عند  أشهب  تمنع القصاص مطلقا فلا يقتل الأب بابنه  بحال ، والمذهب لا يدرأ إلا مع الشبهة إذا أمكن عدم القصد له وادعى ذلك الأب ، وإن كان غيره يقبل مثل ذلك ، ولا يسمع دعواه ، كما لو حذفه بالسيف أو بغيره فقتله ، ثم ادعى عدم إرادة القتل ، بل أدبه ; لأن شفقة الأب شبهة شاهدة بعد قصد القتل ، وهو   [ ص: 336 ] مورد السنة في فعل  المدلجي  بابنه فإن فعل ما لا شبهة معه كشق جوفه ، أو ذبحه ، أو وضع أصبعه في عينه فأخرجها ، فالقصاص ، وكذلك إن اعترف بقصد القتل وإن كان الاحتمال قائما ; لأنه كشف الغطاء عن قصده . وفي معنى الأبوة : الأجداد والجدات من قبل الأب والأم ، ومن لا يرث ، قاله  عبد الملك     . وقال   سحنون     : اتفقوا على أنها تغلظ في الجد والجدة من قبل الأب ، واختلفوا فيها من قبل الأم . فقال  ابن القاسم     : هما كالأم . وقال   سحنون     : كالأجنبيين . وحيث لنا بالقصاص ، يجب أن يكون القائم بالدم غير ولد الأب من العصبة ونحوها . 
فرع 
في النوادر : قال  مالك     : إن ضرب امرأته بسوط أو حبل في عينها أو غيرها  ، ففيه الدية دون القتل ، ويقتل الأخ بأخيه إن قتله عداوة ، وأما على وجه الأدب فالعقل كالمعلم والصانع والقرابة يؤدبون ، ما لم يتعمدوا بالسلاح . 
فرع 
قال : قال  ابن القاسم     : إن قتل العبد ابنه  كفعل  المدلجي  فسلمه لورثة أبيه لا يعتق عليهم ، ويباع ، ولو جرح أباه فأسلم إليه يعتق عليه . 
السبب الرابع : فضل الذكورة    : وهي غير معتبرة عندنا وعند أهل العلم المشاهير ، وعن طائفة : إذا قتلت رجلا  ، قتلت وأخذ من أوليائها نصف الدية ، أو قتلها رجل أخذ أولياء المرأة نصف ديته ، ونحوه عن  علي  رضي الله   [ ص: 337 ] عنه ; لقوله تعالى : ( ولكم في القصاص حياة    ) . والقصاص لغة : المماثلة فيجب التماثل ، وقوله تعالى : ( وليس الذكر كالأنثى    ) ، ولقوله : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى    ) . 
والجواب عن الأول : أنه مخصوص بالصغير مع الكبير ، والعالم العابد الشجاع البطل مع ضده في ذلك ، فتخص هذه الصورة بالقياس على ذلك ، بل التفاوت هناك أكثر ، ولأن المرأة ساوته في الحدود والتكاليف ، فكذلك هاهنا . 
وعن الثاني : أنه نزل في بطلان ما كانت العرب عليه من أن القبيلة إذا غزت وقتل منها حر من القبيلة المغزوة  ، بذلوا موضعه عبدا أو امرأة ، أو قتل عبد من المغزوة لعبد من المغزوة ، أو حرة بحرة ، طلبوا موضع العبد حرا ، والمرأة رجلا ، وهو طريق الجمع بينه وبين قوله تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس    ) ، وقيل : المراد بالحر جنسه الشامل للذكر والأنثى ، وكذلك العبد ، فالعبد الذكر والأنثى سواء ، فأعاد ذكر الأنثى بالأنثى إنكارا لما كانت الجاهلية عليه ، واستدلال الخصم إنما هو بمفهوم الآية أي : الحر بالحر; مفهومه : لا بالعبد ، والأنثى بالأنثى ، أي : لا بالذكر ، ومنطوق العموم مقدم على المفهوم ، مع أن الإجماع على القصاص ، وإنما الخلاف في أخذ المال معه كما تقدم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					