مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " والمشي أمامها أفضل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يمشون أمام الجنازة " .
قال الماوردي : وهذا صحيح .
وبه قال أبو بكر وعمر وعثمان وابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم ومالك وأحمد .
وقال أبو حنيفة : المشي خلفها أفضل ، ورواه عن عمر رضي الله عنه .
وقال الثوري : إن كان راكبا فالمشي أمامها أفضل ، وإن كان ماشيا كان بالخيار ، ورواه عن أنس .
واستدلوا على فضل المشي خلفها بما روي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ ص: 42 ] الجنازة متبوعة لا تتبع ، ليس منها من تقدمها " . وبما رواه عن أبي أمامة عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : " فضل المشي خلف الجنازة على المشي أمام الجنازة كفضل المكتوبة على النافلة ، سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان يمشي خلفها ، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما أمامها ، فقال : إن أبا بكر وعمر يعلمان أن المشي خلفها أفضل ، ولكنهما يسهلان على الناس .
قالوا : وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الجنازة تقول قدموني قدموني " .
ودليلنا على فضل المشي أمامها رواية سالم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا يمشون أمام الجنازة ، ولفظة كان عبارة عن دوام الفعل والمقام عليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم يفعل الجائز مرة ولا يدوم إلا على الأفضل ، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه مشى خلف الجنازة .
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال للناس في جنازة زينب بنت جحش : امشوا أمام أمكم . وعمر رضي الله عنه لا ينهى بفعل الشيء إلى غيره إلا لفضل ما أمر به على ما نهى عنه ، ولأن أفضل من مشى مع الجنازة حاملها ؛ لأن له أجرين ، والماشي مع الجنازة أجر ، ثم كان من حمل قدام الجنازة أفضل ممن حمل من مؤخرها ، كذلك من مشى أمام الجنازة أفضل ممن مشى خلفها .
فأما حديث ابن مسعود فضعيف الإسناد ، على أن قوله صلى الله عليه وسلم " ليس معها من تقدمها " يحمل على من تباعد عنها وانقطع منها .
وأما حديث أبي أمامة فأضعف من الأول لأنه رواية مطرف بن يزيد ، وكان كذابا يضع الحديث ، على أن خبرنا أولى منه ، لأنه يفعل فعلا داوم عليه .
[ ص: 43 ] وأما حديث علي - عليه السلام - ، وقوله : إن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - يعلمان فضل المشي خلفها ولكنهما يسهلان على الناس ، فحديث غير ثابت ، لأنه رواية بحر بن جابر وكان ضعيفا ، وقد قيل : إن بحرا قيل له : من حدثك ؟ فقال : طائر مر بنا .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " الجنازة تقول : قدموني " فمعناه : أسرعوا بي .


