فصل : فإذا تقرر أنه لا يكلف زكاتها صحاحا من غير ماله ، فقد قال الشافعي " يأخذ خير المعيب " واختلف أصحابنا في مراده فمنهم من أجرى الكلام على ظاهره وأوجب أخذ خير المعيب من جميع ماله وهذا غلط ، لأنه لا يطرد على أصل الشافعي ، ومنهم من قال : أراد بذلك أخذ خير الفرضين وهي الحقاق وبنات اللبون ولم يرد خير جميع المال وهو الصحيح ، وبه قال أبو علي بن خيران ، ومنهم من قال : أراد بخير المعيب أوساطها ، كما قال الله سبحانه : كنتم خير أمة أخرجت للناس ، [ آل عمران : 110 ] يعني : وسطا ، لأنه قال تعالى في آية أخرى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، [ البقرة : 143 ] ، ومن قال بهذا السهم في اعتبار الأوسط وجهان :
[ ص: 99 ] أحدهما : أوسطها عيبا .
مثال ذلك : أن يكون ببعضها عيب واحد ، وببعضها عيبان ، وببعضها ثلاثة عيوب ، فيأخذ ما له عيبان .
والثاني : أوسطها في القيمة .
مثال ذلك : أن تكون قيمة بعضها معيبا خمسين وقيمة بعضها مائة ، وقيمة بعضها معيبا مائة وخمسين ، فيأخذ منها ما قيمته مائة من الإبل ، لأنه أوسطها قيمة فحصل لهم في ذلك أربعة مذاهب أصحها وأولاها ما قاله ابن خيران : أنه يأخذ خير الفرضين لا غير ، وقد نص عليه الشافعي في " الأم " فقال : " يأخذ خير المعيب من السن التي وجبت عليه " .
والمذهب الثاني : وهو أظهرها غلطا ، وأضعفها : يأخذ خير المال كله .
والمذهب الثالث : يأخذ أوسطها عيبا .
والمذهب الرابع : يأخذ أوسطها قيمة ، قال الشافعي نصا في كتاب الأم : وإذا كان جميع ماله مراضا والفرض منها موجودا ، لم يحل له العدول عنه إلى الصعود وأخذ الجبران ، ولا إلى النزول ودفع الجبران ؛ لوجود السن المفروض ، ولو كان الفرض معدوما في ماله فإن أراد أن ينزل إلى سن أدنى ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما جبرانا للسن الناقص جاز ، لأنه إذا جاز قبوله في الجبران عن سن صحيح جاز قبوله عن سن مريض ، وإن أراد أن يصعد إلى سن أعلى ويأخذ الجبران لم يجز ؛ لأن ذلك جبران في سن صحيح ، فلم يجز للمصدق أن يجعله جبرانا في سن مريض ، فإن أعطى الأعلى متطوعا بالزيادة جاز قبوله ، والله تعالى أعلم .