[ ص: 106 ] باب صدقة البقر السائمة
قال الشافعي رضي الله عنه : " أخبرنا مالك ، عن حميد بن قيس ، عن طاوس ، أن معاذا أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ، ومن أربعين بقرة مسنة ( قال ) وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذا أن يأخذ من ثلاثين تبيعا ومن أربعين مسنة نصا ( قال الشافعي ) وهذا ما لا أعلم فيه بين أحد من أهل العلم لقيته خلافا . وروي عن طاوس أن معاذا كان يأخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ومن أربعين بقرة مسنة ، وأنه أتي بدون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا وقال : لم أسمع فيه شيئا من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ألقاه فأسأله . فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم معاذ . وأن معاذا أتي بوقص البقر فقال : لم يأمرني فيه النبي صلى الله عليه وسلم بشيء " .
قال الماوردي : أما بالكتاب والسنة والإجماع ، قال الله تعالى : زكاة البقر فواجبة خذ من أموالهم صدقة وقال تعالى : وفي أموالهم حق للسائل ، وروى مالك بن أوس بن الحدثان ، عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ، بالزاي معجمة . فإذا ثبت وجوب الزكاة فيها ، فأول في الإبل صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البز صدقتها ثلاثون وفيها تبيع ، وما دون الثلاثين وقص لا زكاة فيه ، وهو قول العلماء ، وحكي عن نصابها أبي قلابة أنه قال : في كل خمس شاة ، إلى عشرين فيها أربع شياه ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ ثلاثين ، فيكون فيها تبيع ، وحكي عن سعيد بن المسيب أن نصبها كالإبل في كل خمس شاة ، وفي كل خمسة وعشرين بقرة ، بدلا من بنت مخاض ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ ستا وسبعين فيكون فيها بقرتان بدلا من بنتي لبون ، استدلالا بخبر ومعنى .
[ ص: 107 ] فأما الخبر : فروى عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من ذكر صدقات الإبل قال في آخره : وكذلك البقر .
وأما المعنى : فاشتراكها في اسم البدنة والأضحية والإجزاء عن سبعة تساوي حكمها في نصب الزكاة وفرائضها .
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه : رواية عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الفرائض ، وقال ، وروى في البقر في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين مسنة طاوس اليماني أن معاذا كان يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا ، ومن أربعين مسنة ، وأتي بدون ذلك فأبى أن يأخذ منها شيئا ، وقال : لم أسمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم شيئا حتى ألقاه وأسأله ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم معاذ ، وأن معاذا أتي بوقص البقر فقال : لم يأمرني فيه النبي صلى الله عليه وسلم بشيء .
قال الشافعي رضي الله عنه : " ( قال ) وبهذا كله نأخذ . وليس فيما بين الفريضتين شيء ، وإذا وجبت إحدى السنين وهما في بقرة أخذ الأفضل ، وإذا وجد إحداهما لم يكلفه الأخرى ، ولا يأخذ المعيب وفيها صحاح كما قلت في الإبل " . الوقص ما لم يبلغ الفريضة
قال الماوردي : والشناق : ما بين الفرضين ، وقد يتجوز بالوقص فيستعمل ما بين الفريضتين أيضا ، فإن قيل : حديث طاوس عن معاذ مرسل ؛ لأن طاوسا ولد في زمان عمر رضي الله عنه وكان له سنة حين مات معاذ ، والشافعي لا يقول بالمراسيل ، فكيف يحتج بها ؟ قيل : الجواب عنه ، من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن هذا وإن كان مرسلا فطريقه السيرة والقضية ، وهذه قضية مشهورة في اليمن خصوصا وفي سائر الناس عموما ، وطاوس يماني ، فكان الأخذ به من طريق اشتهاره لا من طريق إرساله .
والجواب الثاني : أن الشافعي يمنع من الأخذ بالمراسيل إذا كان هناك مسند يعارضه ، وإن كان مرسلا لا يعارضه مسند فالأخذ به واجب .
والجواب الثالث : أن هذا الحديث وإن أرسله الشافعي فقد أسند له غيره ، فكان الأخذ به من طريق الإسناد .
[ ص: 108 ] روى المسعودي عن الحكم ، عن طاوس ، عن ابن عباس معاذا إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا ، ومن كل أربعين مسنة ، فقالوا له : فالأوقاص ؟ فقال : لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بشيء حتى ألقاه فأسأله ، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : لا شيء فيها . أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث
فأما حديث عمرو بن حزم وقوله : " وكذلك البقر " فمعناه إن صح : وكذلك البقر في إيجاب زكاتها لا في مقادير نصبها ، فأما قياسهم على الإبل في اشتراكها في الإجزاء عن سبعة في الضحايا فيفسر بالغنم ؛ لأن السبعة عن سبعة ، ويقتضي على قياس هذه العبرة أن يكون في خمس وثلاثين منها شاة ، فعلم بالنص في الغنم فساد هذا الاعتبار وبطلان هذا الجمع .