الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن موت الأمهات لا يبطل حق السخال ، فزكاتها بعد حول أمهاتها مأخوذ منها ، ولا يكلف إخراج الزكاة من الكبار ، إلا أن يكون فيها كبار ، وبه قال أبو يوسف .

                                                                                                                                            وقال مالك : لا آخذ الزكاة إلا كبيرا ، ولا يجوز إخراج السخال بحال تعلقا بقول سويد بن غفلة قال : أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " نهينا عن راضع لبن ، وإنما حقنا في الجذعة والثنية " وبقول عمر رضي الله عنه لساعيه : " اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي ولا تأخذها " ولأنه لو كان له ما قال كرام السن وفوق الجذاع والثنايا لم يؤخذ منها رفقا برب [ ص: 122 ] المال ، فوجب إذا كان جميع ماله لئام السن ودون الجذاع والثنايا أن لا يؤخذ منها رفقا بالمساكين .

                                                                                                                                            ودليلنا عموم قوله تعالى : " خذ من أموالهم صدقة " ، [ التوبة : 103 ] ، فلم يجز لحق هذا الظاهر أن يكلفوا الزكاة من غيرها ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ : " إياك وكرائم أموالهم " . فلما نهاه عن أخذ الكريم من المال الذي فيه كرام فلأن لا يأخذ الكريم من المال الذي ليس فيه كرام أولى ، ولأنه مال تجب الزكاة في عينه فوجب أن تؤخذ زكاته من عينه ، كالتمر الرديء ، فإن قيل : إنما لم يلزمه إخراج الجيد من التمر الرديء لأنه لو كان جيدا لزمه إخراج الجيد ، ولما تقرر أن المواشي لو كانت كرام السن لم يلزمه إخراج الزكاة لئيما . قيل : هذا حجتنا لأنه لما جاز أخذ الرديء من المال الذي لا يؤخذ من جيده الدون ، فلأن يجوز أخذ الدون من المال الذي يجوز أخذ الدون من جيده أولى ، فأما قوله صلى الله عليه وسلم " حقنا في الجذعة والثنية " فمحمول على المال الذي فيه جذعة أو ثنية ، وأما قول عمر رضي الله عنه " اعتد عليهم بالسخلة ولا تأخذها " فقد قال " ولا تأخذ الأكولة " ثم قال : وذلك عدل بين عدا المال وخياره ، فأخبر أن الفرض المطلوب هو وسط المال ، وليس أخذ الكبار من الصغار وسطا ، وأما ما ذكره من الاستدلال فغير صحيح ؛ لأنه قد يرتفق برب المال بما لا يرتفق المساكين بمثله ، ألا ترى أنه لو كانت ماشيته حوامل لم يكلف الزكاة منها رفقا به ، وليس يرتفق المساكين بمثله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية