[ ص: 246 ] باب الزرع في أوقات
قال الشافعي رحمه الله تعالى : " في بعض المواضع فتحصد أخرى فهو زرع واحد وإن تأخرت حصدته الأخرى وهكذا بذر اليوم وبذر بعد شهر : لأنه وقت واحد للزرع وتلاحقه فيه متقارب " . الذرة تزرع مرة فتخرج فتحصد ثم تستخلف
قال الماوردي : اعلم أن الله تعالى أجرى العادة في الذرة أنها تستخلف بعد حصادها ، ولم تجر بذلك العادة فيما سواها ، فإذا استخلفنا الذرة بعدما حصدت فهذا على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن تكون الذرة حين استحصدت تساقطت من قصبتها فنبتت ، فهذا زرع ثان يعتبر بنفسه ، ولا يضم إلى الأول : لأن بذره بعد حصاده الأول فلم يجتمعا في بذر ولا حصاد ، فإذا بلغ النصاب ففيه الزكاة ، " وإن نقص عن النصاب فلا زكاة فيه .
والقسم الثاني : أن تكون الذرة قد حصدت فيستخلف قصبها وتحمل حبا ثانيا ففيه وجهان لأصحابنا :
أحدهما : لا يضم إلى الأول ويعتبر حكمه بذاته كالنخل إذا حمل في السنة حملين لم يضم أحدهما إلى الآخر .
والوجه الثاني : يضم إلى الأول لأنهما زرع واحد عن بذر واحد .
والفرق بينه وبين النخل إذا حمل حملين ، هو : أن النخل ثابت الأصل غرس لبقائه وتوالي ثمره ، وكل حمل منه منفرد عن غيره ، فإذا حمل في السنة حملين كان كما لو حمل في عامين ، فلم يضم أحدهما إلى الآخر وليس كذلك الزرع : لأنه غير ثابت الأصل ولا مزروع للبقاء وتوالي النماء ، وإنما زرع لأخذه بعد تكامله فخالف النخل ووجب ضم بعضه إلى بعض .
والقسم الثالث : أن تكون الذرة حين بذرت تعجل نبات بعضها واستحصد وتأخر حصاد البعض الآخر فذلك ضربان .
أحدهما : أن يكون بينهما قريبا وفصل حصادهما واحدا ، كأنه نبت دفعة واحدة ثم زحم بعضه بعضا فتعجل حصاد ما قوي وتأخر حصاد ما ضعف ، فهذا زرع واحد يضم ما [ ص: 247 ] تقدم منه إلى ما تأخر كثمر النخل إذا طلع بعضه وأبر بعضه وزها بعضه وأرطب بعضه فجميعه ثمرة واحدة يجب ضم بعضها إلى بعض فكذا الزرع .
والضرب الثاني : أن يبعد ما بينهما ويختلف فصل حصادهما كأنه بذر فنبت بعضه وتأخر بعضه حتى حصد الأول في الصيف وحصد الثاني في الخريف فهذا ، فيكون على قولين : زرع قد اتفق زمان بذره واختلف زمان حصاده
أحدهما : يضم .
والثاني : لا يضم وسنذكر توجيه ذلك فيما يليه .