مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فأما في التطوع فلا بأس إن أصبح ولم يطعم شيئا أن ينوي الصوم قبل الزوال ، واحتج في ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أزواجه فيقول " هل من غداء ؟ " فإن قالوا : لا . قال : " إني صائم "
قال الماوردي : وهذا كما قال :
لا بأس أن ينوي لصوم التطوع نهارا قبل الزوال ، وبه قال أبو حنيفة وقال مالك وداود : التطوع كالفرض في وجوب ، تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم النية قالوا : ولأنها عبادة تتنوع فرضا ونفلا ؛ فوجب أن يكون محل النية في نفلها ، كمحل النية في فرضها أصله الصلاة ، ودليلنا في ذلك حديث لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل أنس ومعلوم أن عاشوراء كان نافلة ، وأنه أمرهم بصومه نهارا . أن النبي صلى الله عليه وسلم أنفذ إلى أهل العوالي في يوم عاشوراء : " من أكل فليمسك بقية نهاره ، ومن لم يأكل فليصم "
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت [ ص: 456 ] وروي " كان يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : " هل عندكم من غداء " فإن قلنا : لا قال : " إني صائم " إني إذا صائم " .
والدلالة في هذا الخبر من ثلاثة أوجه :
أحدهما : أن التماسه الطعام ليأكل دليل على أنه كان مفطرا إذ لو كان صائما ما التمس طعاما ولا أهم بالإفطار ، فإن قيل : إنما التمسه لوقت الإفطار لا للأكل في الحال ، قلنا : لو كان هذا مراده لقال هل من عشاء ، فلما قال : هل من غداء علم أنه أراد أكله في الحال ، فإن قيل : إنما سأل عن ذلك ليعلم خبر منزله ، قلنا : هذا خطأ ؛ لأن ظاهر قوله : " هل عندكم من غداء أتغذى به " يدل على أنهم لما قالوا : لا . قال : " إني صائم " فعقب ذلك بما دل على مراده على أنا روينا أنه كان إذا أحضروا الغداء أكل ، وإن لم يحضروه قال : " إني صائم " .
والدليل الثاني : من الخبر أنه لما أخبر بصيامه عند فقد الطعام دل على حدوث نيته ، وأن صومه إنما كان لفقده ليكون الحكم محمولا على سنته .
والدليل الثالث منه : قوله " إني إذا صائم " فمعلوم أن إذا للابتداء والاستثناء لا لما مضى وتقدم ، ويدل على ذلك أيضا من طريق المعنى : أن الصوم عبادة يتنوع جنسها فرضا ونفلا ويخرج منها بالفساد ، فوجب أن يخالف نفلها فرضها في ترك التوجه والقيام مع القدرة عليها ، ولا يدخل عليه الحج ؛ لأنه لا يخرج منه بالفساد ، فإن قيل : قد يختلف فرض الصيام ونفله في كفارة الوطء قلنا : ليست الكفارة من أفعال الصوم وإنما هي موجبات إفساده ، على أن الكفارة إنما تلزم لحرمة رمضان لا لفرض الصيام ، فأما تعلقهم بعموم الخبر فمخصوص بما ذكرناه ، وأما قياسهم على الصلاة ، فالمعنى فيها ما ذكرناه من أن الفرض منها يخالف النفل من وجوه ، فجاز أن يتفقا في النية ، وليس كذلك الصيام على أن نية الصيام لما جاز تقدمها جاز تأخيرها ، وليس كذلك الصلاة .