مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن أفطر فيهما ابتدأهما فإن لم يستطع فإطعام ستين مدا لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره الواطئ أنه لا يجد رقبة ، ولا يستطيع صيام شهرين متتابعين ، ولا يجد إطعام ستين مسكينا أتى بعرق فيه تمر - ( قال ) والكفارة سفيان والعرق المكتل - فقال النبي صلى الله عليه وسلم اذهب فتصدق به ( قال الشافعي ) والمكتل خمسة عشر صاعا وهو ستون مدا " .
قال الماوردي : وهذا كما قال :
مرتبة بلا تخيير فيبدأ بالعتق ، فإن قدر عليه لم يصم ، وإن عجز عنه صام شهرين متتابعين ، فإن عجز عنه أطعم ستين مسكينا ، وبه قال أكثر الفقهاء وقال كفارة الوطء في رمضان مالك : هي على التخيير مثل كفارة اليمين إن شاء أعتق أو صام ، أو أطعم ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أفطر في رمضان ، أن يعتق أو يصوم أو يطعم ، وهذا خطأ لما رويناه في حديث الأعرابي ، وقوله صلى الله عليه وسلم : فلم ينقله عن العتق إلى الصيام إلا بالعجز عنه فدل على عدم التخيير ، ووجوب الترتيب ولرواية " اعتق رقبة " فقال : لا أجد . فقال : صم شهرين متتابعين فقال : لا أستطيع . فقال : " أطعم ستين مسكينا " أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الذي أفطر في رمضان بكفارة الظهار وقد أجمعوا على ترتيبها ، ولأنه نوع تكفير يجب بضرب من المأثم ، فوجب أن يكون من شرط الترتيب ، أصله كفارة القتل والظهار ، ولأن الكفارات في الشرع ضربان : ضرب بدئ فيها بالأغلظ فكان الترتيب فيها واجبا ، مثل كفارة الظهار والقتل بدئ فيها بالعتق ، وضرب بدئ فيها بالأخف فكان التخيير فيها مستحقا ، مثل كفارة اليمين [ ص: 433 ] بدئ فيها بالإطعام ثم وجدنا كفارة الجماع بدئ فيها بالأغلظ ، وهو العتق فوجب أن يكون الترتيب فيها مستحقا ، فأما ما رواه مالك فقد رويناه على الترتيب ، والقصة واحدة وروايتنا أولى لكثرة الرواة ، ونقل لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ، وتفسير ألفاظه التي لا يدخلها احتمال .