فصل : فإذا ثبت أن لا تفطر الصائم انتقل الكلام إلى الكراهة ، فعند القبلة بلا إنزال الشافعي رضي الله عنه ينظر في حاله ، فإن كانت القبلة تحرك شهوته فهي مكروهة ، ولا تبطل صومه إلا أن ينزل فإن لم تحرك شهوته ، فهي غير مكروهة ، وتركها أفضل ، وبه قال ابن [ ص: 440 ] عمر وابن عباس وحكي عن ابن مسعود أنها غير مكروهة في الحالين ، وحكي عن مالك أنه كرهها في الحالين وبه قال عمر ؛ تعلقا بما روى ابن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فأعرض عني ، فقلت : ما لي فقال : " إنك تقبل وأنت صائم " قال ، ولأن كل شيء منع من الجماع منع من دواعيه كالحج والدلالة على صحة ما قلناه مع ما رويناه من الأخبار المتقدمة ما رواه أبو هريرة ولأن القبلة إنما تكره خوف الإنزال ، فإذا لم تتحرك عليه الشهوة وأمن الإنزال فلم تكره له ، وإذا تحركت عليه الشهوة ، خاف الإنزال فكرهت له فأما حديث أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن القبلة للصائم فرخص له فيها ، ثم سأله رجل آخر فنهاه عنها ، فإذا الذي رخص له فيها شيخ والذي نهاه عنها شاب عمر ، فالجواب عنه من وجهين :
أحدهما : أنا قد روينا عنه لفظا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح قبلة الصائم ، ولا يجوز ترك ما نقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظا في اليقظة ، بما رواه في المنام .
والثاني : أن في استعماله نسخا للخبر الآخر والنسخ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقع واعتبارهم بالحج فلا يصح ؛ لأنه أدخل في المنع من دواعي الجماع من الصوم ؛ لأنه يمنع من العقد والطيب فجاز أن يمنع من القبلة ، وليس كذلك الصوم .