مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أن لم يفطر يومه ؛ لأنه دخل فيه مقيما ( قال مقيما نوى الصوم قبل الفجر ثم خرج بعد الفجر مسافرا المزني ) روي مكة في رمضان حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه ، ثم أفطر وأمر من صام معه بالإفطار ولو كان لا يجوز فطره ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم . عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه صام في مخرجه إلى
قال الماوردي : وهذا الفصل يشتمل على أربع مسائل :
أحدها : أن يبتدئ السفر قبل الفجر فلا شبهة أنه بالخيار إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ؛ لأنه ابتدأ السفر في زمان يجوز له الفطر فيه فلذلك لم يتحتم عليه صوم ذلك اليوم .
والمسألة الثانية : أن ينوي الصيام وهو مقيم ثم يسافر بعد الفجر ، فمذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة أن عليه أن يتم صومه وليس له أن يفطر ، وحكي عن أحمد بن حنبل وإسحاق وهو مذهب المزني أن له الخيار في الصوم والإفطار تعلقا المدينة صائما فلما بلغ كراع الغميم أفطر فحصل صائما في أول النهار مفطرا في آخره ، قالوا : ولأن الفطر إنما أبيح بأحد شيئين : المرض والسفر ، ثم ثبت أن للمريض أن يفطر في أثناء النهار ، وإن صام في أوله فكذلك المسافر وهذا خطأ والدلالة عليهم قوله تعالى : بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح من ولا تبطلوا أعمالكم [ محمد : 33 ] لأنها عبادة تختلف بالسفر والحضر فوجب إذا ابتدأها في الحضر ثم طرأ عليه السفر ، أن يغلب حكم الحضر كالصلاة والمسح على الخفين ، ولأنه قد خلط إباحة بحظر ولا بد من تغليب أحدهما في الحكم ، فكان تغليب [ ص: 449 ] الحظر أولى ، وأما حديث كراع الغميم فمن المدينة إليه مسيرة أيام ، وقيل ذلك للمزني فرجع عنه ، وقال أضربوا عليه ولو كان الأمر على ما ذكروه ، لم يصح لهم الاستدلال به لأنهم لم يعلموا هل سافر قبل الفجر أو بعده ؟ وأما المريض فإنما جاز له الفطر للضرورة الداعية فيما أحدث ، بلا اختياره ، وليس كذلك السفر ؛ لأنه أنشأه مختارا ، ولم تدعه الضرورة إلى الفطر والمسألة الثالثة : أن ينوي الصيام من الليل ثم يسافر ، وهو لا يعلم هل سافر قبل الفجر ، أو بعده فهذا يلزمه إتمام صومه ، وليس له أن يفطر ؛ لأنه على يقين من حدوث السفر ، وفي شك من تقدمه ، وبالشك لا تباح الرخص .
المسألة الرابعة : أن لا ينوي الصيام أصلا ، ثم يسافر بعد الفجر فهذا يفطر لإخلاله بالنية من الليل ، وعليه الإمساك ؛ لأن حرمة اليوم قد ثبتت بأوله ، وعليه القضاء ؛ لأنه مفطر بترك النية .