مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو رهنه أرضا بلا نخل فأخرجت نخلا فالنخل خارج من الرهن وليس عليه قلعها لأنه لا ضرر على الأرض منها حتى يحل الحق [ ص: 124 ] فإن بلغت حق المرتهن لم تقلع وإن لم تبلغ قلعت وإن فلس بديون الناس بيعت الأرض بالنخل ثم قسم الثمن على أرض بيضاء بلا نخل وعلى ما بلغت بالنخل فأعطي المرتهن ثمن الأرض والغرماء ثمن النخل " .
قال الماوردي : وهذا كما قال .
لم يدخل في الرهن فلا يخلو حاله من ثلاثة أقسام . إذا رهن أرضا في حق محل الحق وفي الأرض نخل
أحدها : أن يكون حادثا بعد الرهن .
والثاني : أن يكون متقدما قبل الرهن .
والثالث : أن يكون النوى الذي نبت فيه قبل الرهن وعلوقه وظهوره بعد الرهن .
فأما القسم الأول وهو أن يكون حادثا بعد الرهن ، فهو مسألة الكتاب .
وصورتها : أن يرهنه أرضا بيضاء لا نخل فيها ثم يحدث فيها نخل إما بأن يغرسه الراهن أو ينغرس بنفسه من نوع يقع في الأرض فينبت فيها فالحكم فيهما سواء إلا أن الراهن يمنع من ابتداء الغرس فإن غرس لم يقلع في الحال قبل حلول الحق لأن انتفاع بها ولا يجوز أن يمنع الراهن من الانتفاع بأرضه المرهونة ولا يكون النخل الحادث فيها داخلا في الرهن معها لأن حدوث النخل نماء والنماء الحادث من الرهن لا يدخل في الرهن . إقرار الغرس في الأرض
فإذا ثبت أنه لا يدخل في الرهن ولا يمنع قبل حلول الحق نظر في ذلك عند حلول الحق ، فإن قضى الراهن من ماله خرجت الأرض من الرهن وكان النخل مقرا فيها للراهن وإن امتنع الراهن من قضاء الحق من ماله نظر في بياض الأرض ، فإن كان في ثمنه وفاء الحق بيع بياض الأرض وقضي به الحق وكان النخل على حاله مقرا في الأرض لا يعرض لبيعه ولا لقلعه ، وإن لم يكن في ثمن بياض الأرض وفاء للحق نظر في الراهن فإن أجاب إلى بيع النخل مع الأرض بعناهما معا وكان للمرتهن من الثمن ما قابل قيمة الأرض بيضاء لا نخل فيها والراهن ما قابل النخل .
وإن امتنع من بيع النخل مع الأرض لم يخل حاله من أحد أمرين :
إما أن يكون موسرا يجوز تصرفه في ماله أو يكون مفلسا محجورا عليه بحق غرمائه .
فإن كان موسرا يجوز تصرفه في ماله لم يجبر على بيع النخل مع الأرض لأن لا يجوز إلا في رهن أو غريم مفلس ولم يتعلق بنخل الراهن أحد هذين فلم يجز أن يجبر على بيعها ، وإذا لم يجبر على بيعها وجب أن يؤمر بقلعها لأن حق المرتهن متعلق بالأرض وهي بيضاء وفي ترك النخل فيها تفويت لمعنى حقه ، فلذلك وجب أن يؤخذ بقلعها إلا أن يبذل للمرتهن تمام قيمة الأرض بيضاء لا نخل فيها فلا يؤخذ بقلعها ويباع بياض الأرض سوى النخل القائم فيها ، وإن لم يبذل تمام القيمة أجبر على قلع النخل فإذا قلعها بيعت الأرض بيضاء لا نخل فيها ثم ينظر في الأرض فإن لم يكن لقلع النخل تأثير في الأرض في نقص قيمتها فلا شيء على الراهن وإن كان قلع النخل قد نقص من قيمتها لما أحدث من الحفر فيها وجب على الراهن أن يغرم أرش نقصها بالقلع إن كان هو الغارس للنخل لأنه حادث من فعله فوجب أن يؤخذ بأرشه كما لو جنى على الراهن فإن كان النخل قد نبت بنفعه من غير أن يغرسه الراهن لم تلزمه غرامة الأرش كما لو حدث نقص بالرهن . الإجبار [ ص: 125 ] على بيع الأملاك
فصل : لم يجز أن تقلع النخل لتعلق حقوق الغرماء بالنخل كتعلق حق المرتهن بالأرض ووجب بيع الأرض مع النخل لتكون الأرض مبيعة من حق المرتهن والنخل مبيعة في حقوق الغرماء ، فإذا بيعا معا لم يخل حال الأرض في بيعها مع النخل من ثلاثة أقسام : وإن كان الراهن مفلسا محجورا عليه بحق غرمائه
أحدها : أن تكون قيمتها لم تزد ولم تنقص .
والثاني : أن تكون قيمتها قد نقصت .
والثالث : أن تكون قيمتها قد زادت .
فإن كانت قيمة الأرض لم تزد ولم تنقص وذلك مثل أن تكون قيمتها بيضاء ألف درهم وقيمة النخل خمسمائة وقد بيعا معا بألف وخمسمائة فيدفع إلى المرتهن ما قابل الأرض وذلك ألف وإلى الغرماء ما قابل النخل وذلك خمسمائة .
وإن كانت قيمة الأرض بيضاء قد نقصت بالنخل ، وذلك مثل أن تكون قيمتها بيضاء ألف درهم وقيمة النخل خمسمائة وقد بيعا معا بألف ومائتي درهم فيجبر للمرتهن نقص الأرض ويعطى تمام الألف ويدفع ما تبقى إلى الغرماء وذلك مائتا درهم ، لأن المرتهن قد كان يستحق إزالة النقص بقلع النخل .
وإن كانت قيمة الأرض بيضاء قد زادت بالنخل وذلك مثل أن تكون قيمتها بيضاء ألف درهم وقيمة النخل خمسمائة وقد بيعا معا بألفي درهم فتكون الزيادة في قيمتها خمسمائة درهم وهي حادثة من الأرض والنخل فتقسط عليهما جميعا ، فتكون حصة الأرض من الزيادة ثلثيها ، وحصة النخل من الزيادة ثلثها فيدفع إلى المرتهن قيمة الأرض وهي ألف وحصتها من [ ص: 126 ] الزيادة وهي ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون درهما وثلث ، ويدفع إلى الغرماء قيمة النخل وهي خمسمائة ، وحصتها من الزيادة وهي مائة وستة وستون درهما وثلثا درهم ، فهذا حكم القسم الأول .
فصل : وأما القسم الثاني : وهو أن يكون النخل مقدما قبل الرهن .
فإذا حل الحق لم يجز أن تباع النخل مع الأرض جبرا ، ولا أن يؤخذ الراهن بقلعها جبرا لتقدمها على الرهن .
فإن لم يكن الراهن مفلسا محجورا عليه بحق غرمائه بيع بياض الأرض دون النخل ودفع إلى المرتهن سواء كان فيه وفاء لدينه أم لا ، ويكون النخل مقرا في الأرض للراهن .
فإن بيعا معا ودفع إلى المرتهن ما قابل قيمة الأرض وهي ذات نخل ، ودفع إلى الراهن ما قابل النخل . اختار الراهن بيع النخل مع الأرض
وإنما دفع إلى المرتهن ما قابل قيمة الأرض وهي ذات نخل لأن الأرض كانت حين ارتهنها ذات نخل ودفع إليه في القسم الأول ما قابل قيمة الأرض بيضاء لأنها كانت حين ارتهنها بيضاء فيكون الفرق بين هذا القسم والقسم الأول من وجهين :
أحدهما : أنه لا يجبر في هذا القسم على قلع النخل عند امتناعه من بيعها .
والثاني : أنه لا يؤخذ منه في هذا القسم ما نقص من قيمة بياض الأرض وفي القسم الأول يؤخذ .
فأما وجب بيع النخل مع الأرض جبرا فتكون الأرض مبيعة في حق المرتهن والنخل مبيعة في حق الغرماء ثم ينظر فيما حصل من الثمن ، فإن كان بإزاء قيمة الأرض والنخل دفع إلى المرتهن ما قابل قيمة الأرض ذات نخل ، وإلى الغرماء ما قابل قيمة النخل . إن كان الراهن مفلسا
وإن كان الثمن أزيد من قيمتها كانت الزيادة على ما مضى مقسطة بينهما ، وإن كان الثمن أنقص من قيمتها كان النقصان مقسطا عليهما بخلاف ما مضى لأن نقص الأرض هناك مجبور ونقص الأرض هاهنا غير مجبور فهذا حكم القسم الثاني .
فصل : وأما القسم الثالث : فهو أن يكون ابتداء نباته قبل الرهن وظهوره بعد الرهن فالحكم فيه كالقسم الثاني إذا كان ظهوره قبل الرهن فلا يجبر الراهن على قلع النخل عند امتناعه من بيع الأرض مع النخل ويستحق المرتهن قيمة الأرض ذات نخل ، لأن حدوث [ ص: 127 ] النخل متقدم على الرهن ، فيكون على ما مضى في القسم الثاني سواء إلا في شيء واحد وهو أن فله الخيار في إمضاء البيع وفسخه مع الرهن لأن ذلك عيب ومثله يخفى ، وليس له في النخل إذا كان ظاهرا قبل الرهن خيار لأن مثله لا يخفى . المرتهن إذا كان غير عالم بحال النوى المزروع في الأرض قبل الرهن