مسألة : قال  الشافعي   رضي الله عنه : "  وكل ولد أمة ونتاج ماشية وثمر شجرة ونخلة فذلك كله خارج من الرهن يسلم للراهن      " .  
قال  الماوردي      : قد ذكرنا أن نماء الرهن ملك للراهن ، فأما دخوله في الرهن فلا يخلو حاله من ثلاثة أضرب .  
أحدها : ما يدخل في الرهن : وهو النماء المتصل كالطول والسمن .  
والثاني : ما لا يدخل في الرهن : وهو كسب العبيد والإماء .  
والثالث : ما اختلف فيه الفقهاء : وهو ما سوى الكسب من النماء المنفصل كالثمرة والنتاج والدر والصوف وأولاد الإماء ، ففيه ثلاثة مذاهب .  
أحدها : وهو مذهب  الشافعي   أن جميع ذلك خارج من الرهن .  
والثاني : وهو مذهب  أبي حنيفة   أن جميع ذلك داخل في الرهن .  
والثالث : وهو مذهب  مالك   أن ما كان من ذلك من جنس الرهن كالأولاد والنتاج ، فإنه يكون داخلا في الرهن ، وما كان من غير جنسه كالدر والثمرة فإنه يكون خارجا من الرهن .  
واستدلوا بأنه نماء في الرهن فوجب أن يكون داخلا في الرهن كالنماء المتصل ، ولأنه محبوس على استيفاء الحق فوجب أن يكون نماؤه محبوسا معه ، كالمبيع إذا حبسه البائع على ثمنه كان نماؤه الحادث محبوسا معه كالمبيع ، ولأنه عقد لا يصح إلا على ملك فوجب أن      [ ص: 209 ] يكون النماء الحادث بعده تابعا له كالمبيع ، ولأنه عقد يقضي إلى زوال الملك فوجب أن يكون الولد فيه تابعا لأمه كالكتابة .  
ولأنه حق ثابت في الرقبة ، فوجب أن يكون الولد فيه تابعا لأمه كأم الولد والمدبرة ، ولأن الولد لما كان تابعا لأمه في الزكاة والوصية والهدي والأضحية وجب أن يكون تابعا لأمه في الرهن .  
ودليلنا حديث  الأعمش   عن  أبي صالح   عن  أبي هريرة   ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  الرهن محلوب ومركوب  فلما لم يكن ذلك للمرتهن ثبت أنه للراهن ، ولرواية  سعيد بن المسيب   مرسلا ومسندا عن  أبي هريرة   أن النبي صلى الله عليه وسلم قال  لا يغلق الرهن الرهن من راهنه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه  وغنمه نماؤه .  
فإن قيل : فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم غنمه ملكا للراهن ولم يجعله خارجا من الرهن ، ونحن نقول : إنه ملك للراهن ، وإنما نختلف في خروجه من الرهن ، فالجواب عنه من وجهين :  
أحدهما أنه جعل غنم الرهن ملكا للراهن على الإطلاق ، ودخوله في الرهن يمنع من إطلاقه .  
والثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق في الحديث بين الرهن وبين غنمه ، ومعلوم أن الرهن على ملك راهنه ، فعلم أن ما أضافه إليه من غنمه مخالف لما لم يضفه إليه من رهنه ولا وجه يختلفان فيه إلا خروجه من الرهن وعدم دخوله فيه ، ولأنه نماء منفصل من الرهن فوجب أن يكون خارجا من الرهن كالكسب ، ولأن النماء عين يصح أن تفرد بالعقد ؛ فلم يجز أن تدخل في الرهن إلا بعقد كالأم ، ولأن الرهن وثيقة في الحق فوجب أن لا يسري حكمه للولد كالشهادة والضمان .  
ولأنها عين محتبسة لاستيفاء الحق منها من غير زوال ملك مالكها ؛ فوجب أن لا يتبعها ولدها كالعين التي آجرها ، ولأن حق الجناية آكد ثبوتا من حق الرهن ، لأن حق الجناية يطرأ على الرهن ، وحق الرهن لا يطرأ على الجناية ، ثم كان حق الجناية مع تأكده لا يسري على ولد الجانية ، فحق الرهن مع ضعفه أولى ألا يسري إلى ولد المرهونة .  
وتحرير علته ، أنه حق تعلق بالرقبة لاستيفائه منها ، فوجب ألا يسري إلى ولدها كالجناية ، فأما الجواب عن قياسهم على النماء المتصل فمنتقض أولا بالكسب ، ثم المعنى في المتصل أنه تابع للأصل في موضع الأصول ، لعدم تمييزه عنه والمنفصل غير تابع للأصول لتمييزه عنه ، ألا ترى أن المتصل تابع للأصل في الإجارة والجناية والبيع إذا رد بعيب ، فكذلك يتبع الأصل في الرهن ، والمنفصل لا يتبع الأصل في الإجارة والجناية ولا المبيع إذا رد بعيب ، فكذلك لا يتبع الأصل في الرهن .  
 [ ص: 210 ] وأما الجواب عن قياسهم على المبيع إذا حبسه البائع على ثمنه فغير مسلم لأن عندنا أن  البائع إذا حبس المبيع لاستيفاء ثمنه لم يكن له حبس النماء الحادث بعد مبيعه      .  
وأما الجواب عن قياسهم على البيع فدليلنا أنه يوجب كون النماء لمالك الأصل ، لأن المشتري قد ملك الأصل ، كذلك الرهن لما كان على ملك الراهن وجب أن يكون خالصا للراهن .  
وأما الجواب عن قياسهم على الكتابة بعلة أنه عقد يفضي إلى زوال الملك فمن ثلاثة أوجه :  
أحدها : منع الوصف بأنه يفضي إلى زوال الملك ، لأن الكتابة وإن أفضت إلى زوال الملك فالرهن لا يفضي إلى زوال الملك : لأنه يفضي إلى استيفائه وثيقة لمرتهنه وإن طالت المدة ، وإنما بيعه يفضي إلى زوال الملك .  
والجواب الثاني : أنه وإن سلم لهم الوصف ، فقد اختلف قول  الشافعي   في  ولد المكاتبة   على قولين :  
أحدهما : أنه موقوف لا يتبعها وكذا ولد المدبرة .  
والقول الثاني : أن حكمه معتبر بحكم أمه في الحرية والرق ، فإن عتقت المكاتبة بالأداء والمدبرة بموت السيد عتق ولدهما وإن عجزت ورقت رق ولدها ، فإن قيل لا يتبعها سقط السؤال .  
وإن قيل يتبعها فهو ليس يتبعها في الكتابة وإنما يتبعها في الحرية ، فلم يسلم لهم الحكم ؛ لأنهم يقولون : إن  ولد المرهونة داخل في الرهن   ، وولد المكاتبة قد بينا أنه لا يدخل في الكتابة .  
والجواب الثالث : أن المكاتبة لما تبعها كسبها تبعها ولدها ، والرهن لما لم يتبعه الكسب لم يتبعه الولد ، والجواب عن قياسهم على أم الولد في أن ولدها من غير السيد يتبعها في العتق بموت السيد ، فالقياس منتقض بولد الجانية .  
ثم المعنى أن سبب حريتها مستقر استقرارا يمنع من إزالته ، فجاز أن يسري إلى الولد لقوته ، والرهن لا يستقر استقرارا يمنع من إزالته ، فلم يسر إلى الولد لضعفه ، وأما  المدبرة فهل يتبعها ولدها أم لا   ؟ على قولين ، وأما المكاتبة فلا يتبعها ولدها في الكتابة ، ولكن هل يثبت له حكمها أم لا ؟ على قولين .  
وأما نتاج الماشية ، فإنما كان تبعا للأمهات في حول الزكاة لأنه لما ارتفق أرباب الأموال بالربا والماخض ارتفق المساكين بحول السخال ، وليس كذلك الرهن ، فأما ولد الموصى بها ، فإن كان قبل موت الموصي لم يتبعها ، وإن كان بعد الموت والقبول تبعها لانتقال الملك ، وإن كان بعد الموت وقبل القبول فعلى قولين :  
 [ ص: 211 ] أحدهما : للورثة ، هذا إذا قيل إن القبول هو التملك .  
والثاني : للموصي له ، وهذا إذا قيل إن القول يبنى على ملك سابق ، وكذلك الحكم في ولد المرهونة .  
وأما  ولد الهدي والأضحية فيتبع للهدي والأضحية   لزوال الملك عنها إلى المساكين ، وكان الولد حادثا على ملك المساكين .  
وأما  ولد المغصوبة فيتبع لأمه   في الضمان لحصول التعدي فيهما .  
وأما ولد المودعة ففيه وجهان :  
أحدهما : أنه كأمه أمانة لا يلزمه ضمانه .  
والثاني : أنه مضمون بخلاف أمه : لأنه مؤتمن على أمه دون ولدها .  
وأما  ولد العارية ففيه وجهان      :  
أحدهما : أنه كأمه مضمون لأنه فرع لأصل مضمون .  
والوجه الثاني : أنه غير مضمون بخلاف أمه ، لأن الانتفاع بالأم أوجب ضمانها ، ولما لم يكن الانتفاع بالولد لم يجب ضمانه والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					