مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ؛ لأنه ليس في شيء من هذا دلالة " . ولا أنظر إلى من إليه الخوارج ، ولا الدواخل ، ولا أنصاف اللبن ، ولا معاقد القمط
[ ص: 388 ] قال الماوردي : وهذا صحيح .
والدواخل : هي وجوه الحيطان .
والخوارج : هي ظهور الحيطان .
وأنصاف اللبن فيه تأويلان حكاهما ابن أبي هريرة :
أحدهما : أن تكون كسور أنصاف اللبن إلى أحدهما ، والصحيح منه إلى الآخر .
والثاني : أنه إفريز يخرجه البناء في أعلى الحائط نحو نصف لبنة ليكون وقاية للحائط من المطر وغيره .
وأما معاقد القمط فتكون في الأخصاص وهي الخيوط التي يشد بها الخص ، لأن القمط جمع قماط وهو الخيط .
فإذا تنازع جاران حائطا بينهما ، وكان إلى أحدهما الدواخل وأنصاف اللبن ، لم يكن ذلك دليلا على ملكه .
وكذلك لو ادعى خصا وكان إلى أحدهما معاقد القمط ، لم يكن ذلك دليلا على ملكه ، وهو قول أبي حنيفة .
وجعل أبو يوسف ومحمد هذه دلائل على الملك ، وهو قول بعض أهل المدينة استدلالا بما روي حذيفة أن يحكم فحكم بالجدار لمن إليه معاقد القمط ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أصبت . أن رجلين تنازعا جدارا بينهما ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم
قالوا : لأن العادة جارية في بناء الحائط أن يكون وجهه إلى مالكه وظهوره إلى غيره ، ومعاقد الخص تكون إلى مالكه ، فوجب أن يحكم بظاهر العادة كما يحكم بها في اتصال البنيان .
وهذا خطأ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم . البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه
ولأن هذه أمور قد يقصد بها في البناء الجمال .
فربما أحب الإنسان أن يجعل أجمل بنيانه وأحسنه إلى منزله ، وربما أحب أن يجعله خارجا فيما يراه الناس .
فلم يجز مع اختلاف العادة فيه في سائر الأغراض أن يجعل دالا على الملك ، كالتزاويق والنقش لا يكون وجوده من جانب أحدهما دليلا على ملكه ، كذلك ما ذكرناه .
[ ص: 389 ] فأما الجواب عن الخبر فهو أنه ضعيف ، لأن راويه دهثم بن قران وهو مرغوب عنه ، فإن صح لم يكن فيه دلالة ، لأنه لم يجعل معاقد القمط علة في الحكم ، وإنما جعل تعريفا لمن حكم له ، كما لو قيل : حكم للأسود لم يدل على أن السواد علة للحكم ، وإنما يكون سمة وتعريفا لمن وجب له الحكم .
وأما ادعاؤهم العرف المعتاد فيه فغير صحيح لما ذكرنا من اختلاف الأغراض فيه .