[ ] : القول في التقليد
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - : " فأما أن يقلده فلم يجعل الله ذلك لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
أما فهو قبول قول بغير دليل . مأخوذ من قلادة العنق ، لأنه قد جعل قبول قوله كالقلادة في عنقه . التقليد
وهو ضربان : ضرب : أمرنا به وضرب نهينا عنه .
فأما المأمور به فيما يختص به من علم ، وقد استوفيناه مشروحا في أول كتابنا هذا . فالتقليد في الأخبار والشهادة وتقليد العامي للعالم
فأما المنهي عنه : فهو ، ويفتي به إخبارا ، فهو محظور ، لا يستقر به علم ، ولا يصح به حكم ، ولا تجوز به فتيا ، ويستوي في حظره تقليد من عاصره ومن تقدمه وسواء ساواه في العلم أو زاد عليه . التقليد فيما يعتقده علما ، أو يقضي به حكما
وجوز بعض الفقهاء . ومن عاصره من المتقدمين عليه في العلم لقول الله تعالى تقليد علماء السلف فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [ النحل : 43 ] .
وجوز بعض أصحاب الحديث ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " تقليد الصحابة والتابعين دون غيرهم " . خير الناس قرني ثم الذين يلونهم
وجوز آخرون منهم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " تقليد الصحابة دون التابعين أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " .
[ ص: 53 ] وجوز آخرون منهم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " تقليد الخلفاء الأربعة من الصحابة دون غيرهم " . عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي
وجوز آخرون أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - خاصة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " تقليد أبي بكر وعمر " . اقتدوا باللذين من بعدي
والدليل على ، قول الله تعالى : فساد التقليد ، ووجوب الرجوع إلى أدلة الأصول وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله [ الشورى : 10 ] . وقوله تعالى : لعلمه الذين يستنبطونه منهم " [ النساء : 83 ] . فنفى أن يكون لغير المستنبط علم .
وروي عدي بن حاتم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقه صليب أو وثن فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله . فقال عدي : ما اتخذوهم أربابا فقال : أليس يحرمون عليهم ما حل ويحلون لهم ما حرم ؟ " قال : نعم ، قال " فتلك العبادة . أن
ولأنه لا يخلو حال المقلد من أن يقلد جميع الناس أو بعضهم فإن قلد جميع الناس لم يمكنه لاختلافهم ، وإن قلد بعضهم لم يكن قول من قلده بأولى من تركه فإن رجح صار مستدلا .
ثم يقال لمن قلد : صرت إلى التقليد بدليل أو بغير دليل ؟ فإن قال بدليل ناقض قوله صار مستدلا وغير مقلد .
وإن قال بغير دليل قيل : فهلا قلدت من قال بإبطال التقليد فلا يجد منه انفصالا إلا بدليل فبطل التقليد بالدليل .
وفي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالاقتداء بأصحابه ما يوجب ترك التقليد لأنهم حين اختلفوا في الجد والعول وغيره استدلوا ولم يقلد بعضهم بعضا .