الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : [ ثالثا - الإجماع ] .

                                                                                                                                            وأما الأصل الثالث من أصول الشرع - وهو الإجماع - فالإجماع هو أن يستفيض

                                                                                                                                            اتفاق أهل العلم من جهة دلائل الأحكام وطرق الاستنباط على قول في حكم لم يختلف فيه أهل عصرهم وتكون استفاضته عند أمثالهم من أهل العلم بعد عصرهم فتعتبر الاستفاضة عن أهل العلم وفي أهل العلم لا يكون لقول من جرح من أهل العلم تأثير في وفاق أو خلاف فهذا حد الإجماع .

                                                                                                                                            وهو حجة في الأحكام .

                                                                                                                                            وقد أنكر قوم إمكان الإجماع وإن كان دليلا ، وأنكر قوم أن يكون دليلا وإن أمكن .

                                                                                                                                            [ ص: 107 ] وكلا القولين فاسد : لقول الله تعالى : واتبع سبيل من أناب إلي [ لقمان : 15 ] : فدل أمره باتباعهم على إمكان اتفاقهم ووجوب إجماعهم ، ثم نهى الله تعالى عن مخالفتهم فقال ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى [ النساء : 115 ] الآية .

                                                                                                                                            فصار خلافهم محظورا ، أكده بقوله تعالى : واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [ آل عمران : 103 ] . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " الأمة المجتمعة حجة على من شذ عنها " ثم أخبر أنهم لا يجتمعون إلا على حق فقال : كنتم خير أمة أخرجت للناس " [ آل عمران : 110 ] . الآية ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا تجتمع أمتي على ضلالة " .

                                                                                                                                            ثم جعل أهل كل عصر حجة على من بعدهم من الأعصار ليستديم الإبلاغ فقال تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا [ البقرة : 143 ] ، فجعل الرسول حجة عليهم ، وجعلهم حجة على غيرهم .

                                                                                                                                            وروى معاذ بن رفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال : قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " ، وإذا ثبت أن إجماع هذه الأمة حجة فقد اختلف في أمة كل نبي هل يكون إجماعهم حجة أم لا ؟

                                                                                                                                            فذهب بعض المتكلمين إلى أن إجماع غير هذه الأمة لا يكون حجة . وهو قول أبي علي بن أبي هريرة ؛ لأن اليهود والنصارى قد أجمعوا على قتل عيسى ابن مريم وقد أخبر الله تعالى بكذب الفريقين .

                                                                                                                                            وقال آخرون منهم : يكون حجة على من بعدهم من أمتهم ، لوجوب العمل بشرائع الأنبياء في عصر بعد عصر ما لم يرد نسخها .

                                                                                                                                            فأما إجماع اليهود والنصارى على كذبهم في قتل عيسى فإنما انعقد الإجماع على نقل القتل المأخوذ عن آحاد تعترضهم الشبهة ويجوز أن يتطرق عليهم الكذب ، والإجماع على النقل حق وإن كان القتل باطلا .

                                                                                                                                            فصار المتعلق بالإجماع على ما أوضحناه أربعة أحكام :

                                                                                                                                            أحدها : إمكان وجوده .

                                                                                                                                            والثاني : لزوم حجته .

                                                                                                                                            [ ص: 108 ] والثالث : اشتماله على الحق .

                                                                                                                                            والرابع : وجوبه في كل عصر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية