الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            لا يقبل الجرح إلا بيقين .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولا يقبل الجرح إلا بالمعاينة أو بالسماع .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الفسق قد يكون من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : بالأفعال ، كالزنا واللواط والغصب والسرقة .

                                                                                                                                            والثاني : بالأقوال ، كالقذف والكذب والسعاية والنميمة .

                                                                                                                                            والثالث : بالاعتقاد ، كاستحلال المحظورات والتدين بالبدع المستنكرات .

                                                                                                                                            فالأفعال : تعلم بالمعاينة ، والأقوال : تعلم بالسماع ، وكذلك الاعتقاد .

                                                                                                                                            فلا تقبل من الجارح إذا شهد بأفعال الجرح إلا إذا شاهدها .

                                                                                                                                            ولا تقبل منه إذا شهد بأقوال الجرح إلا إذا سمعها .

                                                                                                                                            ولا تقبل منه إذا قال بلغني وقيل لي .

                                                                                                                                            ولا تقبل فيه شهادة الأعمى بالجرح بالأفعال ولا في الأقوال ، أما الأفعال فإنه لم يرها ، وأما الأقوال فلأنه ، وإن سمعها فليس يتحققها من المجروح لاشتباه صوته بصوت غيره .

                                                                                                                                            فأما الشهادة بها عن الإخبار فإن كانت أخبار آحاد لم يكن للمخبر أن يشهد بها ، وإن كانت من أخبار الاستفاضة أو التواتر التي لا يعترضها ارتياب جاز أن يشهد بها ، كما يشهد بالأنساب ، وبالأملاك ، والموت ، وتقبل فيه شهادة الأعمى : لأنه مساو للبصير في العلم بها .

                                                                                                                                            فإذا علم الشاهد الجرح إما بالمعاينة للأفعال أو بالسماع للأقوال أو بالخبر المستفيض بالأفعال والأقوال جاز أن يشهد بها . ولا يجوز أن يشهد بها من غير هذه الوجوه الثلاثة : لأنه لا يكون على يقين من العلم بها والله تعالى يقول : إلا من شهد بالحق وهم يعلمون .

                                                                                                                                            [ ص: 192 ] فإن كان الشاهد بهذا الجرح عند الحاكم هم الجيران وأهل الخبرة كانت هذه الشروط معتبرة في شهادتهم .

                                                                                                                                            وإن كان الشاهد بها أصحاب مسائله تحملوها عن علمها من هذه الوجوه الثلاثة ، وجاز لهم أن يشهدوا بها عنهم ، لأن أصحاب مسائله قد ندبوا للبحث عنها ، ولو تحملوها من هذه الوجوه لقدموا الشهادة بها ولما احتاجوا إلى المسألة عنها .

                                                                                                                                            ولا يصير أصحاب المسائل إذا شهدوا بها قذفة ، وإن لم تكمل شهادتهم ، ويصير الجيران بها قذفة . إن لم تكمل شهادتهم ، لأن أصحاب المسائل ندبوا للإخبار بما سمعوه ، ولم يندب الجيران إليه وسواء ذكر أصحاب المسائل هذا الجرح بلفظ الشهادة أو بلفظ الخبر ، لكن الحاكم يحكم به إن كان بلفظ الشهادة ، ولا يحكم به إن كان بلفظ الخبر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية