تقديم النظر بين السابقين .
مسألة : قال الشافعي : " ولا يقدم رجلا جاء قبله رجل " .
قال الماوردي : قد ذكرنا أن ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " السبق معتبر في تقديم النظر بين الخصوم " وكما يراعي السبق في مقاعد الأسواق وفي ورود المياه وفي أخذ المعادن . منى مناخ من سبق
فإذا لينظر بينهم على الولاء اعتبارا بالسبق . اجتمع الخصوم ندب القاضي لهم من يكتب الأسبق فالأسبق
فإن ، إن أمكنت القرعة لقلة عددهم ورتبهم على ما خرجت به القرعة . اختلفوا في السبق ، أو جاءوا معا ، أقرع بينهم
وإن تعذرت القرعة لكثرة عددهم أثبت اسم كل رجل منهم في رقعة مفردة ، وطواها القاضي بين يديه ، ولو غطاها كان أولى ، ورتبهم على ما تخرج به رقاعهم . فإذا وجب تقديم أحدهم ، إما بالسبق ، وإما بالقرعة ، لم يجز أن يقدم عليه [ ص: 290 ] غيره ، فيصير بتقديمه جائرا ، يفعل كذلك في خصم بعد خصم ، حتى يستنفد جميع الخصوم .
فإن جاز ، وإن قدمه بغير طيب نفسه ظلمه ، وكان حكمه للمسبوق نافذا ، لأنه ظلم في السبق ولم يظلم في الحكم . قدم مسبوقا على سابق بطيب نفس السابق
فإن كان المسبوق مريضا يستضر بالصبر فقد عذره الله تعالى في حقوقه بالرخص فإن عذره الآدميون به في تقديمه عليهم كان أولى بهم ، فإن شاحوه قدمه القاضي إن كان مطلوبا ، ولم يقدمه إن كان طالبا ، لأن المطلوب مجبر والطالب مخير .
فإن ، واحتاجوا لكثرة العدد إلى ثلاثة مجالس كان فيهم بين خيارين : كثر الخصوم ولم يتسع مجلس يومه للنظر بين جميعهم
أولاهما : أن يجزئ رقاعهم ثلاثة أجزاء ويجعل كل جزء في إضبارة يعرف أسماء من فيها ويقرع بين الأضابير الثلاث ، فإذا خرجت القرعة الأولى لأحدها أثبت عليها المجلس الأول ، وإذا خرجت الثانية لأخرى أثبت عليها المجلس الثاني ، ويثبت على الأخيرة المجلس الثالث . وقدم لمجلس يومه أهل الإضبارة الأولى ، وأعلم أهل الإضبارة الثانية أن لهم المجلس الثاني ، وأعلم أهل الإضبارة الثالثة أن لهم المجلس الثالث ، حتى ينصرف كل واحد منهم لأشغاله ليأتيه في يومه من غير ترداد فهذا أولى الأمرين .
والخيار الثاني : أن يستوقفهم في يومه ، وينظر فيه بين من اتسع له مجلسه ، فينادي بحضور من خرجت له قرعته وينظر بينه وبين خصمه ، ثم ينادي بحضور من خرجت له القرعة الثانية ومن بعدها ، حتى يستوعب جميع مجلسه بالنظر بين من خرجت رقاعهم فيه فإذا انقضى المجلس قال لمن بقي منهم عودوا في المجلس الثاني ، فإذا عادوا فيه قدمهم على من استأنف الحضور في المجلس الثاني ، ونظر بينهم وقدم منهم بالرقاع من تقدمت رقعته ، فإذا استوعب مجلسه الثاني وقد بقيت منهم بقية ، وعدهم المجلس الثالث ، ووعد من استأنف حضور المجلس الثاني إلى المجلس الثالث ، فإذا جلس في المجلس الثالث قدم أهل المجلس الأول على أهل المجلس الثاني ثم يفعل على هذا المثال أبدا .
وينبغي له إذا كثر الخصوم أن يزيد في عدد مجالسه في كل أسبوع حتى لا يتمادى في أمر الخصوم لتكون مجالسه كافية لجميع الخصوم .