فصل : القضاء على الغائب مخصوص ببعض الحقوق .
فإذا ثبت بما ذكرنا جواز فهو مخصوص بحقوق الآدميين . القضاء على الغائب
فأما فلا يجوز القضاء بها على غائب كحد الزنا وحد الخمر لاتساع حكمها بالمهلة . حقوق الله تعالى التي تدرأ بالشبهات
فإن كان مما يجمع فيه بين حق الله تعالى وحق الآدمي كالسرقة قضي على الغائب بالغرم ولم يقض عليه بالقطع إلا بعد حضوره .
ما على القاضي في الاستعداء إليه .
فإذا صحت هذه الجملة وجب أن نصف ما على القاضي في الاستعداء إليه والتحاكم عنده .
فإذا [ ص: 301 ] وجب عليه إجابته والحضور لمحاكمته لقول الله تعالى : تشاجر خصمان في حق ودعا أحدهما صاحبه إلى الحضور معه عند الحاكم إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا .
فإن امتنع وحضر الطالب مستعديا إلى القاضي على خصمه لم يخل حال الخصم من أن يكون حاضرا في بلد القاضي أو غائبا عنه .
الخصم الحاضر في بلد القاضي .
فإن كان حاضرا في بلده : وجب على القاضي إعداء المستعدي وإحضار خصمه لمحاكمته قبل سماع الدعوى وتحريرها ، سواء عرف أن بينهما معاملة أو لم يعرف .
وقال مالك : لا يجوز أن يحضره إذا كان من أهل الصيانة إلا أن يعلم أن بينهما معاملة أو خلطة فيحضره . وإن لم يعلمها لم يحضر احتجاجا بما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : " لا يعدي الحاكم على خصم إلا أن يعلم بينهم معاملة " ولا مخالف له .
ولأن فيه استبدال أهل الصيانة بما لا يعلم استحقاقه ، فوجب حفظ صيانتهم إلا بموجب .
ودليلنا وهو قول الجمهور ما رواه النضر بن شميل ، عن الهرماس بن حبيب ، عن أبيه ، عن جده أنه استعدى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل في حق له فقال له : الزمه .
ولم يستعلم ما بينهما من المعاملة فدل على عموم الإعداء في الجميع .
ولأن الحقوق قد تثبت تارة عن معاملة وتارة عن غير معاملة كالغصوب والجنايات فلم يجز أن تجعل المعاملة شرطا في الإعداء .
ولأن الحقوق لا يجوز أن تضاع لحفظ الصيانة ، وإن لم يكن في الحضور للمحاكمة استبدال للصيانة . وقد قاضى عمر أبيا إلى زيد بن ثابت وقاضى علي يهوديا إلى شريح .
والخبر المروي عن علي غير ثابت ولو ثبت لكان القياس أقوى والعمل به أولى .
وعلى أنه يجوز للقاضي في أهل الصيانة أن يفردهم عن مجلس العامة وينظر بينهم في منزله ، بحيث يحفظ به صيانتهم .