فصل
فيما يقع في مال القراض من زيادة أو نقص
أما الزيادة ، فثمرة الشجرة المشتراة للقراض ، ونتاج الدابة ، وكسب الرقيق ، وولد الجارية ، ومهرها إذا وطئت بشبهة ، وبدل منافع الدواب والأرض ، وسواء وجب باستعمالها عدوانا أو بإجارة صدرت من العامل ، فإن له الإجارة . فإذا رأى فيها المصلحة ، أطلق الإمام : أن هذه كلها مال قراض ، لأنها من فوائده ، وقال والغزالي المتولي : إن كان في المال ربح ، وملكنا العامل حصته بالظهور ، فالجواب كذلك . فإن لم يكن ربح ، أو لم نملكه ، فمن الأصحاب من قال : مال قراض . وقال جمهورهم : يفوز بها المالك ، لأنها ليست من فوائد التجارة . ويشبه أن يكون هذا أولى . فإن جعلناها مال قراض ، فالأصح أنها من الربح .
وقيل : هي شائبة في الربح ورأس المال . ولو وطئها المالك ، قال وغيره : يكون مستردا مقدار المهر ، فيستقر نصيب العامل منه . وقال الغزالي البغوي : إن كان في المال ربح وملكناه بالظهور ، وجب نصيب العامل من الربح ، وإلا فلا شيء له . واستيلاد المالك جارية القراض ، كإعتاقها . وإذا أوجبنا المهر بوطئه الخالي عن الأحبال ، فالأصح الجمع بينه وبين القيمة . وأما النقص ، فما حصل برخص ، فهو خسران مجبور [ ص: 139 ] بالربح . وكذا النقص بالتعيب والمرض الحادثين .
وأما النقص العيني ، وهو تلف البعض ، فإن حصل بعد التصرف في المال بيعا وشراء ، فقطع الجمهور بأن الاحتراق وغيره من الآفات السماوية خسران يجبر بالربح . وفي التلف بالسرقة والغصب وجهان . والفرق أن في الضمان الواجب ما يجبره ، فلا حاجة إلى الجبر بمال القراض ، وطرد جماعة الوجهين في الآفة السماوية ، والأصح في الجميع الجبر . أما إذا نقص قبل التصرف بيعا وشراء ، بأن دفع إليه ألفين قراضا ، فتلف أحدهما قبل التصرف ، فوجهان .
أحدهما : أنه خسران ، فيجبر بالربح الحاصل بعد ، ويكون رأس المال ألفين . وأصحهما : يتلف من رأس المال ، ويكون رأس المال ألفا . ولو اشترى بالألفين عبدين ، فتلف أحدهما ، تلف من الربح على المذهب . وقيل : من رأس المال ، لأنه لم يتصرف بعد بالبيع . هذا إذا تلف بعض المال . أما إذا تلف كله بآفة سماوية قبل التصرف أو بعده ، فيرتفع القراض ، وكذا لو أتلفه المالك كما سبق . فلو أتلف أجنبي جميعه أو بعضه ، أخذ منه بدله واستمر فيه القراض . وما ذكرناه من الخلاف في الجبر من الربح في صورة السرقة والغصب ، هو فيما إذا تعذر أخذ البدل من المتلف . ولو أتلف العامل المال ، قال الإمام : يرتفع القراض ، لأنه وإن وجب عليه بدله ، فلا يدخل في ملك المالك إلا بقبضه منه ، وحينئذ يحتاج إلى استئناف القراض .
ولك أن تقول : ذكروا وجهين في أن ؟ أصحهما : أنه المالك فقط إن لم يكن في المال ربح ، وهما جميعا إن كان ربح . والثاني : أن للعامل المخاصمة مطلقا حفظا للمال ، فيشبه أن يكون الجواب المذكور في إتلاف الأجنبي مفرعا على أن العامل خصم ، ويتقدر أن يقال : ليس بخصم ، بل إذا خاصم المالك وأخذه ، عاد العامل إلى التصرف فيه بحكم القراض ، [ و ] لزم مثله فيما إذا كان العامل هو المتلف . مال القراض إذا غصب أو أتلف ، فمن الخصم فيه
[ ص: 140 ] فرع
لو ، لم ينفرد أحدهما بالقصاص ، بل الحق لهما ، فإن تراضيا على العفو على مال ، أو على القصاص جاز . وإن عفا أحدهما ، سقط القصاص ووجبت القيمة ، هكذا ذكروه وهو ظاهر على قولنا : يملك العامل الربح بالظهور ، وغير ظاهر على القول الآخر . وإن لم يكن في المال ربح ، فللمالك القصاص والعفو على غير مال . وكذا لو كانت الجناية موجبة [ للمال ] ، فله العفو عنه ويرتفع القراض . فإن أخذ المال ، أو صالح عن القصاص على مال بقي القراض فيه . قتل رجل عبد القراض ، وفي المال ربح
فرع
، بطل الشراء وارتفع القراض . وإن اشترى في الذمة ، قال في مال القراض ألف ، اشترى بعينه ثوبا . فتلف الألف قبل التسليم : يرتفع القراض ويكون الشراء للعامل ، فقال بعض الأصحاب : هذا إذا كان التلف قبل الشراء ، فإن القراض ، والحالة هذه ، غير باق عند الشراء ، فينصرف الشراء إلى العامل . أما لو تلف بعد الشراء ، فالمشترى للمالك . فإذا تلف الألف المعد للثمن ، لزمه ألف آخر . وقال البويطي ابن سريج : يقع الشراء عن العامل ، سواء تلف الألف قبل الشراء أو بعده ، وعليه الثمن ويرتفع القراض ، لأن إذنه ينصرف إلى التصرف في ذلك الألف ، فإن قلنا بالأول ، فرأس المال ألف ، أم ألفان ؟ وجهان . فإن قلنا : ألف ، فهو الألف الأول ، أم الثاني ؟ وجهان ، فائدتهما عند اختلاف الألفين في صفة الصحة وغيرها . [ ص: 141 ]