فرع
، إما أن لا يكون باقيا في سلطنة المتهب ، وإما أن يكون . القسم الأول : أن لا يكون بأن أتلف ، أو زال ملكه عنه ببيع ، أو غيره ، أو وقفه ، أو أعتقه ، أو كاتبه ، أو استولدها ، أو وهبه وأقبضه ، أو رهنه وأقبضه ، فلا رجوع له ، ولا قيمة أيضا . وحكى الإمام خلافا ، في أن الرهن هل يمنع الرجوع ، مبنيا على ما سبق من صحة الموهوب ؟ فإن قلنا : لا تصح ، لم يصح الرجوع ، وإلا ، توقفنا . فإن فك الرهن ، بان صحة الرجوع ، وذكر أيضا ترددا في كتابة العبد بناء على صحة بيعه . ولا يمتنع الرجوع بالرهن والهبة إذا لم يقبضا ، ولا بالتدبير وتعليق العتق بصفة ، ولا بزراعة الأرض وتزويج الأمة قطعا ، [ ص: 381 ] ولا بالإيجار على المذهب ، وبه قطع الأكثرون ، وتبقى الإجارة بحالها كالتزويج . وقال الإمام : إن صححنا بيع المستأجر ، رجع ، وإلا ، فإن جوزنا الرجوع في المرهون وتوقفنا ، صح الرجوع هنا ولا توقف ، بل الرقبة للراجع ، ويستوفي المستأجر المنفعة إلى انقضاء المدة . وإن منعنا الرجوع في المرهون ، ففي المستأجر تردد ، وخرج على هذا ترددا فيما إذا هبة المرهون ، مع قولنا : لا تصح هبة الآبق ، لأن الهبة تمليك مبتدأ ، والرجوع بناء فيسامح فيه ؟ ولو جنى وتعلق الأرش برقبته ، فهو كالمرهون في امتناع الرجوع . لكن لو قال : أنا أفديه وأرجع ، مكن ، بخلاف ما لو كان مرهونا ، فأراد أن يبذل قيمته ويرجع ، لما فيه من إبطال تصرف المتهب . ولو زال ملك المتهب ، ثم عاد بإرث ، أو شراء ، ففي عود الرجوع وجهان . وقال أبق العبد الموهوب من يد المتهب ، هل يصح رجوع الواهب : قولان . أصحهما : المنع . واحتج الغزالي أبو العباس الروياني لهذا الوجه ، بأنه لو وهب لابنه ، فوهبه الابن لجده ، فوهبه الجد لابن ابنه الذي وهبه ، فإن حق الرجوع للجد الذي حصل منه هذا الملك ، لا للأب ، ولا يبعد أن يثبت القائل الأول الرجوع لهما جميعا . ولو وهب له عصيرا فصار خمرا ، ثم صار خلا ، فله الرجوع على المذهب . وحكى بعضهم وجهين في زوال الملك بالتخمر ، ووجهين في عود الرجوع تفريعا على الزوال . وإذا انفك الرهن أو الكتابة بعجز المكاتب ، ثبت الرجوع على المذهب . ولو ، فلا رجوع على الأصح كالرهن . وقيل : يرجع ، لأن حقه سابق ، فإنه يثبت من حين الهبة . حجر على المتهب بالفلس
قلت : ولو حجر عليه بالسفه ، ثبت الرجوع قطعا ، لأنه لم يتعلق به حق غيره ، قاله المتولي وآخرون . والله أعلم .
ولو ارتد وقلنا : لا يزول ملكه ، ثبت الرجوع . وإن قلنا : يزول ، فلا . فإن [ ص: 382 ] عاد إلى الإسلام ، ثبت الرجوع على المذهب . وقيل : على الخلاف فيما لو زال ملكه ثم عاد . ولو وهب الابن المتهب الموهوب لابنه ، أو باعه له ، أو ورثه منه ، فلا رجوع للجد على المذهب .
قلت : ولو وهبه المتهب لأخيه من أبيه ، قال في " البيان " : ينبغي أن لا يجوز للأب الرجوع قطعا ، لأن الواهب لا يملك الرجوع ، فالأب أولى . ولا يبعد تخريج الخلاف لأنهم عللوا الرجوع بأنه هبة لمن للجد الرجوع في هبته ، وهذا موجود هنا . والله أعلم .
القسم الثاني : أن يكون باقيا في سلطنة المتهب ، فإن كان بحاله ، أو ناقصا ، فله الرجوع ، وليس على المتهب أرش النقص ، وإن كان زائدا ، نظر ، إن كانت الزيادة متصلة ، كالسمن وتعلم صنعة ، رجع فيه مع الزيادة . وإن كانت منفصلة كالولد ، والكسب ، رجع في الأصل وبقيت الزيادة للمتهب . وإن ، رجع فيها حاملا . وإن رجع بعد الوضع ، فإن قلنا : للحمل حكم ، رجع في الولد مع الأم ، وإلا ، ففي الأم فقط . وإن وهبها حائلا ورجع وهي حامل ، فإن قلنا : لا حكم للحمل ، رجع فيها حاملا ، وإلا ، فلا يرجع إلا في الأم ، وهل له الرجوع في الحال ، أم عليه الصبر إلى الوضع ؟ وجهان . ولو وهبه حبا فبذره ونبت ، أو بيضا فصار فرخا ، فلا رجوع ، لأن ماله مستهلك قال وهب جارية أو بهيمة حاملا ، فرجع قبل الوضع البغوي : هذا إذا ضمنا الغاصب بذلك ، وإلا ، فقد وجد عين ماله فيرجع . ولو كان الموهوب ثوبا فصبغه الابن ، رجع في الثوب ، والابن شريك بالصبغ . ولو قصره ، أو كانت حنطة فطحنها ، أو غزلا فنسجه ، فإن لم تزد قيمته ، رجع ولا شيء للابن . وإن زادت ، فإن قلنا : القصارة عين ، فالابن شريك . وإن قلنا : أثر ، فلا شيء له . ولو كان أرضا فبنى فيها أو غرس ، [ ص: 383 ] رجع الأب في الأرض ، وليس له قلع البناء والغراس مجانا ، لكنه يتخير بين الإبقاء بأجرة ، أو التملك بالقيمة ، أو القلع . وغرامة النقص كالعارية . ولو ، قال وطئ الابن الموهوبة : لا رجوع وإن لم تحبل ، لأنها حرمت على الأب ، والصحيح : ثبوت الرجوع . ابن القطان
فرع
فيما يحصل به الرجوع
يحصل بقوله : رجعت فيما وهبت ، أو ارتجعت ، أو استرددت المال ، أو رددته إلى ملكي ، أو أبطلت الهبة ، أو نقضتها وما أشبه ذلك ، هكذا أطلقوه . وحكى الروياني في " الجرجانيات " وجهين في أن الرجوع نقض ، وإبطال للهبة ، أم لا ؟ فعلى الثاني : ينبغي أن لا يستعمل لفظ النقض ، والإبطال ، إلا أن يجعل كناية عن المقصود . وذكر الروياني هذا ، أن اللفظ الذي يحصل به الرجوع ، صريح وكناية فالصريح : رجعت . والكناية تفتقر إلى النية ، كأبطلت الهبة ، وفسختها . فلو لم يأت بلفظ ، لكن باع الموهوب ، أو وهبه لآخر ، أو وقفه ، فثلاثة أوجه . أصحها : لا يكون رجوعا . والثاني : رجوع وينفذ التصرف . والثالث : رجوع فلا ينفذ التصرف . ولو أتلف الطعام الموهوب ، أو أعتق العبد ، أو وطئ ، لم يكن رجوعا على الأصح . والثاني : رجوع . وأشار الإمام إلى وجه ثالث : أنه إن أحبلها بالوطء وحصل الاستيلاد ، كان رجوعا ، وإلا ، فلا . فعلى الأصح : يلزمه بالإتلاف القيمة ويلغو الإعتاق ، وعليه بالوطء مهر المثل ، وباستيلاد القيمة .
قلت : ولا خلاف أن الوطء حرام على الأب وإن قصد به الرجوع ، كذا [ ص: 384 ] قاله الإمام ، لاستحالة إباحة الوطء لشخصين ، ولا خلاف أن المتهب يستبيح الوطء قبل الرجوع . لكن إذا جرى وطء الأب الحرام ، هل يتضمن الرجوع ؟ فيه الخلاف . والله أعلم .
ولو صبغ الثوب الموهوب ، أو خلط الطعام بطعام نفسه ، لم يكن رجوعا ، بل هو كما لو فعل الغاصب ذلك .
فرع
حيث يثبت ، لا يفتقر إلى قضاء القاضي . وإذا رجع ولم يسترد المال ، فهو أمانة في يد الولد ، بخلاف المبيع في يد المشتري بعد فسخ البيع ، لأن المشتري أخذه على حكم الضمان . الرجوع في الهبة
فرع
لو ، أم لا كالخلع ؟ فيه وجهان عن " الجرجانيات " . اتفق الواهب والمتهب على فسخ الهبة حيث لا رجوع ، فهل ينفسخ كما لو تقايلا
قلت : لا يصح الرجوع إلا منجزا . فلو قال : إذا جاء رأس الشهر ، فقد رجعت ، لم يصح . قال المتولي : لأن الفسوخ لا تقبل التعليق . والله أعلم .