الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الباب الثاني في الطوارئ على المغصوب

                                                                                                                                                                        فيه ثلاثة أطراف .

                                                                                                                                                                        الأول : في النقص ، وهو ثلاثة أقسام .

                                                                                                                                                                        الأول : نقص القيمة فقط ، كمن غصب ما يساوي عشرة ، فرده بحاله وهو يساوي درهما ، فلا شيء عليه ، وقال أبو ثور : يلزمه نقص القيمة ، ووافقه بعض أصحابنا ، وهذا شاذ .

                                                                                                                                                                        القسم الثاني : نقص القيمة والأجزاء ، فالجزء الفائت ، مضمون بقسطه من أقصى القيم من الغصب إلى التلف ، والنقص الحاصل بتفاوت السعر في الباقي المردود غير مضمون .

                                                                                                                                                                        مثاله : غصب ثوبا قيمته عشرة ، فعادت بالرخص إلى درهم ، ثم لبسه فأبلاه حتى عادت إلى نصف درهم ، يرده مع خمسة دراهم ، لأن بالاستعمال انسحقت أجزاء من الثوب ، وتلك الأجزاء في هذه الصورة نصف الثوب ، فيغرم النصف بمثل نسبته من أقصى القيم كما يغرم الكل عند تلفه بالأقصى . ولو كانت القيمة عشرين وعادت بانخفاض السعر إلى عشرة ، ثم لبسه وأبلاه فعادت إلى خمسة ، لزمه مع رده عشرة . ولو كانت عشرة فعادت بالانخفاض إلى خمسة ، ثم لبسه فأبلاه حتى عادت إلى درهم ، لزمه مع رده ستة ، لأنه تلف بالاستعمال ثلاثة أخماس الثوب ، فيغرمها بثلاثة أخماس أقصى القيم . قال الشيخ أبو علي : وأخطأ بعضهم فقال : يلزمه ثلاثة لأنها الناقصة بالاستعمال ، وقياس قول هذا : أن يلزم في الصورة الأولى نصف درهم ، وفي الثانية خمسة . ولو غصبه وقيمته عشرة فعاد بالاستعمال إلى خمسة ، ثم انخفض السعر فعادت إلى درهمين فرده ، لزمه مع الرد الخمسة الناقصة بالاستعمال ، [ ص: 32 ] ولا يضمن النقصان الحاصل في البالي المردود . ولو غصب ثوبا قيمته عشرة ، فلبسه وأبلاه حتى عادت إلى خمسة ، ثم ارتفع السعر فصارت قيمته وهو بال عشرة قال ابن الحداد وبعض الأصحاب : يغرم مع رد الثوب عشرة ، لأن الباقي من الثوب نصفه وهو يساوي عشرة . وقال الجمهور : لا يغرم مع رده إلا الخمسة الناقصة بالاستعمال ، ولا عبرة بالزيادة الحاصلة بعد التلف . قال الإمام : والصفات كالأجزاء في هذا كله ، حتى لو غصب عبدا صانعا قيمته مائة ، فنسي الصنعة وعادت قيمته إلى خمسين ، ثم ارتفع السعر فبلغت قيمته ناسيا مائة وقيمة مثله يحسن الصنعة مائتين ، لا يغرم مع رده إلا خمسين . ثم الجواب في صور إبلاء الثوب [ كلها ] مبني على أن أجرة مثل المغصوب لازمة مع أرش النقص الحاصل بالاستعمال ، وهو الأصح . وسبق وجه : أنه لا يجمع بينهما . فعلى ذلك الوجه : الواجب أكثر الأمرين من المقادير المذكورة وأجرة المثل . ولو اختلف المالك والغاصب في قيمة الثوب الذي أبلاه ، فقال المالك : زادت قبل الإبلاء فاغرم التالف بقسطه [ منها ] ، وقال الغاصب : [ بل ] زادت بعده ، قال ابن سريج : المصدق الغاصب .

                                                                                                                                                                        القسم الثالث : نقص الأجزاء والصفات وحدها ، وسنذكر حكمه في الصور الآتية إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية