الباب الثالث فيما يسقط به حق الشفيع
الأظهر المنصوص في الكتب الجديدة : أن الشفعة على الفور . والثاني : تمتد ثلاثة أيام . والثالث : تمتد مدة تتسع لتأمل المصلحة في الأخذ . والرابع : تمتد إلى التصريح بإسقاطها . والخامس : إلى التصريح أو ما يدل عليه ، كقوله : بع لمن شئت ، أو هبه ، وكذا قوله : بعنيه ، أو هبه لي ، أو قاسمني . وقيل : لا تبطل بهذا ، وللمشتري أن يرفعه إلى الحاكم ليلزمه الأخذ أو العفو . وفي قول : ليس له ذلك ، تنزيلا للشفيع منزلة مستحق القصاص ، والتفريع على قول الفور . إذا لم يأخذ الشفيع ولم يعف
[ وإنما نحكم بالفور ] بعد علم الشفيع بالبيع . فلو لم يعلم حتى مضى سنون ، فهو على شفعته ، ثم إذا علم ، لا يكلف المبادرة ، على خلاف العادة بالعدو ونحوه ، بل يرجع فيه إلى العرف ، فما عد تقصيرا وتوانيا في الطلب ، يسقط الشفعة ، وما لا يعد تقصيرا لعذر ، لا يسقطها . والعذر ضربان :
أحدهما : ما لا ينتظر زواله عن قرب كالمرض ، فينبغي للمريض أن يوكل إن قدر . فإن لم يفعل ، بطلت شفعته على الأصح ، لتقصيره . والثاني : لا . والثالث : إن لم يلحقه في التوكيل منة ولا مؤنة ثقيلة بطلت ، وإلا فلا . فإن لم يمكنه ، فليشهد على الطلب . فإن لم يشهد ، بطلت على الأظهر أو الأصح . والخوف من العدو ، كالمرض ، [ ص: 108 ] وكذا الحبس إذا كان ظلما أو بدين هو معسر به عاجز عن بينة الإعسار . وإن حبس بحق ، بأن كان مليئا ، فغير معذور ، ومثله الغيبة . فإذا كان الشفيع في بلد آخر ، فعليه أن يخرج طالبا عند بلوغ الخبر ، أو يبعث وكيلا ، إلا أن يكون الطريق مخوفا ، فيجوز التأخير إلى أن يجد رفقة معتمدين يصحبهم هو أو وكيله ويزول الحر والبرد المفرطان . وإذا أخر لذلك ، أو لم يمكنه السير بنفسه ، ولا [ وجد ] وكيلا ، فليشهد على الطلب . فإن لم يشهد ، ففي بطلان حقه الخلاف السابق ، وأجري ذلك في وجوب الإشهاد إذا سار طالبا في الحال . والأظهر هنا : أنه لا يجب ، ولا تبطل شفعته بتركه ، كما لو أرسل وكيلا ولم يشهد ، فإنه يكفي . وليطرد فيما إذا كان حاضرا في البلد فخرج إليه أو إلى مجلس الحكم كما سبق في الرد بالعيب .
الضرب الثاني : ما ينتظر زواله عن قرب ، بأن كان مشغولا بصلاة ، أو طعام ، أو قضاء حاجة ، أو في حمام ، فله الإتمام ، ولا يكلف قطعها ، على خلاف العادة على الصحيح . وقيل : يكلف قطعها حتى الصلاة إذا كانت نافلة . وعلى الصحيح : لو دخل وقت الأكل أو الصلاة أو قضاء الحاجة ، جاز له أن يقدمها ، فإذا فرغ طلب الشفعة ، ولا يلزمه تخفيف الصلاة والاقتصار على ما يجزئ .
فرع
لو ، جاز ، وقد ذكرناه في الرد بالعيب . ولو أشهد على الطلب ، ولم يراجع المشتري ولا القاضي لم يكف . وإن كان المشتري غائبا ، فالقياس : أن يرفع الأمر إلى القاضي ويأخذ كما ذكرنا هناك . وإذا ألزمناه الإشهاد فلم يقدر عليه ، فهل يؤمر أن يقول : [ ص: 109 ] تملكت الشقص ؟ وجهان سبق نظيرهما هناك . ولو تلاقيا في غير بلد الشقص ، فأخر الشفيع الأخذ إلى العود إليه بطل حقه ، لاستغناء الآخذ عن الحضور عند الشقص . رفع الشفيع الأمر إلى القاضي ، وترك مطالبة المشتري مع حضوره