الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : رضي الله عنه : وليس فيما دون خمس من الإبل شيء ولا فيما بين الفريضتين شيء ، وإن وجبت عليه بنت مخاض فلم تكن عنده فابن لبون ذكر ، فإن جاءت بابن لبون وابنة مخاض لم يكن له أن يأخذ ابن لبون ذكرا وابنة مخاض موجودة ، وإبانة أن في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة أن تكون الإبل مائة وإحدى وعشرين ، فيكون فيها ثلاث بنات لبون وليس في زيادتها شيء حتى تكمل مائة وثلاثين فإذا كملتها ففيها حقة وابنتا لبون ، وليس في زيادتها شيء حتى تكمل مائة وأربعين فإذا كملتها ففيها حقتان وابنة لبون ، وليس في زيادتها شيء حتى تكمل مائة وخمسين ، فإذا كملتها ففيها ثلاث حقاق ، ولا شيء في زيادتها حتى تكمل مائة وستين فإذا كملتها ففيها أربع بنات لبون ، وليس في زيادتها شيء حتى تكمل مائة وسبعين فإذا كملتها ففيها حقة وثلاث بنات لبون ، ولا شيء في زيادتها حتى تبلغ مائة وثمانين ، فإذا بلغتها ففيها حقتان وابنة لبون ، وليس في زيادتها شيء حتى تبلغ مائة وسبعين فإذا بلغتها ففيها ثلاث حقاق وابنة لبون " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد ذكرنا أن نصاب الإبل خمس ولا شيء فيما دونها ، ودللنا عليه ، فإذا بلغت كالإبل خمسا ففيها شاة ، وهي فرض إلى تسع ، والأربعة الزائدة على الخمس تسمى وقصا ، وقد اختلف قول الشافعي في الشاة هل تجب فيها وفي الخمس ، أو تجب في الخمس وحدها والوقص عفو ؟ وكذا كل وقص بين فرضين ، ففيه للشافعي قولان : أحدهما : قاله في الإملاء والبويطي ، وإليه ذهب محمد بن الحسن : أن الشاة واجبة في الخمس وهي النصاب ، والوقص الذي عليها عفو ، وكذا فرائض الزكوات في المواشي [ ص: 90 ] كلها مأخوذة من الأوقاص والنصب ، والأوقاص الزائدة عليها عفو ليس لها في الوجوب مدخل .

                                                                                                                                            ووجه هذا القول : قوله صلى الله عليه وسلم : " في خمس شاة " وفيه دليل من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أوجب الشاة فيها فاقتضى أن تكون غير واجبة في الزائد عليها .

                                                                                                                                            والثاني : أن الشاة في خمس والوقص الزائد عليها دون خمس . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في فرائض الغنم : " في مائتين وواحدة ثلاث شياه ، وليس فيما دون المائة شيء " ، وهذا نص صريح ، ولأنه وقص قصر عن النصاب فوجب أن لا تتعلق به الزكاة كالأربعة ، ولأنه لو تعلق به الوجوب لكان له تأثير في الزيادة ، فلما لم يكن له تأثير في الزيادة لم يكن تعلق بالوجوب ، ووجه قوله الأول وهو اختيار أبي العباس ، رواية أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " في أربع وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض " ، وفيه دلالة من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : قوله صلى الله عليه وسلم : في أربعة وعشرين من الإبل فما دونها الغنم في كل خمس شاة ، فإذا وجبت الغنم في الأربعة والعشرين كلها فوجب أن لا يختلف الإيجاب ببعضها .

                                                                                                                                            والثاني : قوله صلى الله عليه وسلم فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض فذكر النصاب والوقص ، وأضاف الفريضة الواجبة إليهما ، ولأنها زيادة من جنس ماله الذي يجزي في حكم حوله فوجب أن تكون الزكاة في جميعه كالخامس والعاشر ، ولأن تعلق الحكم بمقدار معلوم لا يمنع الزيادة عليه من تعلق الحكم به ، وبالزيادة معها ألا ترى أن المحرم لو حلق ثلاث شعرات وجب عليه دم ، ولو حلق جميع رأسه وجب عليه ذلك الدم ، ولو سرق ربع دينار قطع ، ولو سرق ألف دينار قطع ذلك القطع ، ولم يجز أن يقال إن القطع وجب في ربع دينار دون الزيادة لعدم تأثيرها ، ولأن الدم وجب في ثلاث شعرات دون ما زاد عليها ، كذلك الوقص الزائد يتعلق به الوجوب ، وإن لم يكن له في الزيادة تأثير .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية