الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه قال أول من أخذ من الأعطية الزكاة معاوية بن أبي سفيان قال مالك السنة التي لا اختلاف فيها عندنا أن الزكاة تجب في عشرين دينارا عينا كما تجب في مائتي درهم قال مالك ليس في عشرين دينارا ناقصة بينة النقصان زكاة فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها عشرين دينارا وازنة ففيها الزكاة وليس فيما دون عشرين دينارا عينا الزكاة وليس في مائتي درهم ناقصة بينة النقصان زكاة فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها مائتي درهم وافية ففيها الزكاة فإن كانت تجوز بجواز الوازنة رأيت فيها الزكاة دنانير كانت أو دراهم قال مالك في رجل كانت عنده ستون ومائة درهم وازنة وصرف الدراهم ببلده ثمانية دراهم بدينار أنها لا تجب فيها الزكاة وإنما تجب الزكاة في عشرين دينارا عينا أو مائتي درهم قال مالك في رجل كانت له خمسة دنانير من فائدة أو غيرها فتجر فيها فلم يأت الحول حتى بلغت ما تجب فيه الزكاة أنه يزكيها وإن لم تتم إلا قبل أن يحول عليها الحول بيوم واحد أو بعد ما يحول عليها الحول بيوم واحد ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت وقال مالك في رجل كانت له عشرة دنانير فتجر فيها فحال عليها الحول وقد بلغت عشرين دينارا أنه يزكيها مكانها ولا ينتظر بها أن يحول عليها الحول من يوم بلغت ما تجب فيه الزكاة لأن الحول قد حال عليها وهي عنده عشرون ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا في إجارة العبيد وخراجهم وكراء المساكين وكتابة المكاتب أنه لا تجب في شيء من ذلك الزكاة قل ذلك أو كثر حتى يحول عليه الحول من يوم يقبضه صاحبه وقال مالك في الذهب والورق يكون بين الشركاء إن من بلغت حصته منهم عشرين دينارا عينا أو مائتي درهم فعليه فيها الزكاة ومن نقصت حصته عما تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه وإن بلغت حصصهم جميعا ما تجب فيه الزكاة وكان بعضهم في ذلك أفضل نصيبا من بعض أخذ من كل إنسان منهم بقدر حصته إذا كان في حصة كل إنسان منهم ما تجب فيه الزكاة وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة قال مالك وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك قال مالك وإذا كانت لرجل ذهب أو ورق متفرقة بأيدي أناس شتى فإنه ينبغي له أن يحصيها جميعا ثم يخرج ما وجب عليه من زكاتها كلها قال مالك ومن أفاد ذهبا أو ورقا إنه لا زكاة عليه فيها حتى يحول عليها الحول من يوم أفادها

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          581 583 - ( مالك ، عن ابن شهاب أنه قال : أول من أخذ من الأعطية ) جمع جمع لعطية ( الزكاة معاوية بن أبي سفيان ) قال ابن عبد البر : يريد أخذ زكاتها نفسها منها لا أنه أخذ منها عن غيرها مما حال عليه الحول ، قال : ولا أعلم من وافقه إلا ابن عباس الزهري فلذا قال : إن معاوية أول من أخذ . قال : وهذا شذوذ لم يعرج عليه أحد من العلماء ولا قال به أحد من أئمة الفتوى . وقال الباجي : قال ابن مسعود وابن عامر مثل قولهما ثم انعقد الإجماع على خلافه ، قال : وإنما كان معاوية يأخذ من العطاء زكاة ذلك العطاء ; لأنه كان يرى حقه واجبا قبل دفعه إليه ، فكان يراه كالمال المشترك يمر عليه الحول في حالة الاشتراك وأبو بكر وعمر وعثمان فلم يأخذوا ذلك منها ، إذ لم يتحقق ملك من أعطيها إلا بعد القبض ; لأن للإمام أن يصرفها إلى غيره بالاجتهاد ، ونحو هذا التأويل ذكر ابن حبيب ( قال مالك : السنة التي لا اختلاف فيها عندنا ) بالمدينة ( أن الزكاة تجب في عشرين دينارا عينا كما تجب في مائتي درهم ) قال ابن عبد البر : لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في نصاب الذهب شيء إلا ما روى الحسن بن عمارة عن علي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " هاتوا زكاة [ ص: 144 ] الذهب من كل عشرين دينارا نصف دينار " وابن عمارة أجمعوا على ترك حديثه لسوء وكثرة خطئه . ورواه الحافظ موقوفا على علي ، لكن عليه جمهور العلماء : " وما زاد على عشرين فبحسابه قل أو كثر سواء كانت قيمتها مائتي درهم أو أقل أو أكثر " وإليه ذهب الأئمة الأربعة وغيرهم ، إلا أن أبا حنيفة مع جماعة من أهل العراق جعلوا في العين أوقاصا كالماشية ، وقالت طائفة : لا زكاة في الذهب حتى يبلغ صرفها مائتي درهم فإذا بلغتها زكيت ، كانت أكثر من عشرين دينارا أو أقل إلا أن تبلغ أربعين دينارا ، ففيها دينار ولا يراعى حينئذ الصرف . وقال الحسن البصري : وأكثر أصحاب داود . ورواية عن الثوري : لا زكاة في الذهب حتى يبلغ أربعين دينارا ففيها ربع عشره وما زاد فبحسابه .

                                                                                                          ( قال مالك : ليس في عشرين دينارا ناقصة بينة النقصان زكاة ) لعدم بلوغ النصاب ( فإن زادت حتى تبلغ بزيادتها عشرين دينارا وازنة ففيها الزكاة ) وجوبا ( وليس فيما دون عشرين دينارا عينا الزكاة ) ودون بمعنى أقل ( وليس في مائتي درهم ناقصة بينة النقصان زكاة ، فإن زادت حتى يبلغ بزيادتها مائتي درهم وافية ففيها الزكاة ) وفي نسخة زكاة بالتنكير ( فإن كانت تجوز بجواز الوزانة رأيت فيها الزكاة دنانير كانت أو دراهم ) قال الأبهري وابن القصار : معناه أنها وازنة في ميزان وفي آخر ناقصة ، فإذا نقصت في جميع الموازين فلا زكاة . وقال عبد الوهاب : معناه النقص القليل في جميع الموازين كحبة وحبتين وما جرت العادة بالمسامحة فيه في البيع وغيره ، وعلى هذا جمهور أصحابنا وهو الأظهر . ويحتمل وجها ثالثا وهو أن يكون الغرض فيها غالبا غرض الوازنة وهو المشهور عن مالك وما سواه تأويل ، وهذا قول أصحابنا العراقيين ، وحملوا تفصيله على الدنانير والدراهم الموزونة ، والأظهر أن تكون في المعدودة ، قاله الباجي . قال ابن زرقون : ويظهر أن قول ابن القصار والأبهري في الموزونة ، وقول عبد الوهاب في المعدودة ، فلا يكون خلافا ، كذا قال ولا يصح ; لأن نص عبد الوهاب في جميع الموازين ، فكيف يقال في المعدود ؟ . ( قال مالك في رجل كانت عنده ستون ومائة درهم وازنة وصرف الدراهم [ ص: 145 ] ببلده ثمانية دراهم بدينار أنها لا تجب فيه الزكاة ، وإنما تجب الزكاة في عشرين دينارا عينا أو مائتي درهم ) ; لأن المال إنما يعتبر بنصاب نفسه لا بقيمته ، فلا الفضة بقيمتها من الذهب ولا عكسه ، كما لو كان له ثلاثون شاة قيمتها أربعون من غيرها أو قيمتها عشرون دينارا أو أربعون دينارا فلا زكاة ، وإن نقص النقد عن النصاب وبلغت قيمة صياغته أكثر من نصاب فلا زكاة ، قاله الباجي .

                                                                                                          ( قال مالك في رجل كانت له خمسة دنانير ) مثلا ، والمراد أقل من نصاب ( من فائدة أو غيرها فتجر فيها فلم يأت الحول حتى بلغت ما تجب فيه الزكاة ، أنه يزكيها وإن لم تتم إلا قبل أن يحول عليها الحول بيوم واحد أو بعد ما يحول عليها الحول بيوم واحد ، ثم لا زكاة فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت ) هذا مذهب مالك رحمه الله أن حول ربح المال حول أصله وإن لم يكن أصله نصابا قياسا على نسل الماشية ، ولم يتابعه أصحابه وقاسه على ما لا يشبهه في أصله ولا في فرعه ، وهما أصلان ، والأصول لا يرد بعضها إلى بعض وإنما يرد الفرع إلى أصله ، قال أبو عبيد : لا نعلم أحدا فرق بين ربح المال وغيره من الفوائد غير مالك ، وليس كما قال قد فرق بينهما الأوزاعي وأبو ثور وأحمد لكنهم شرطوا أن يكون أصله نصابا ، وإنما أنكر أبو عبيد أنه يجعله كأصله ، وإن لم يكن أصله نصابا ، وهذا لا يقوله غير مالك وأصحابه ، وقال الجمهور : الربح كالفوائد يستأنف بها حول على ما وردت به السنة ، قاله ابن عبد البر .

                                                                                                          ( وقال مالك في رجل كانت له ) أي عنده ( عشرة دنانير فتجر فيها فحال عليها الحول وقد بلغت عشرين دينارا : إنه يزكيها مكانها ولا ينتظر بها أن يحول عليها الحول من يوم بلغت ما تجب فيه الزكاة ) وهو العشرون ( لأن الحول قد حال عليها وهي عنده عشرون ) بالربح ، وهو يقدر كأنه كائن فيها ( ثم لا زكاة [ ص: 146 ] فيها حتى يحول عليها الحول من يوم زكيت ) وهذا بمعنى ما قبله غايته أنه فرضها في الأولى في خمسة والثانية في عشرة بحسب سؤاله عن ذلك ، وأجاب فيهما بحكم واحد وهو ضم الربح لأصله وإن لم يكن نصابا . ( قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا ) بالمدينة ( في إجارة العبيد وخراجهم وكراء المساكن وكتابة المكاتب أنه لا تجب في شيء من ذلك الزكاة قل ذلك أو كثر حتى يحول عليه الحول من يوم يقبضه صاحبه ) وهو نصاب ; لأنها فوائد تجددت لا عن مال فيستقبل بها ( وقال مالك في الذهب والورق يكون بين الشركاء : أن من بلغت حصته منهم عشرين دينارا عينا أو مائتي درهم فعليه فيها الزكاة ، ومن نقصت حصته عما تجب فيه الزكاة فلا زكاة عليه ، وإن بلغت حصصهم جميعا ما تجب فيه الزكاة وكان بعضهم في ذلك أفضل نصيبا من بعض ) بأن كان لواحد نصاب وآخر نصابان مثلا ( أخذ من كل إنسان منهم بقدر حصته إذا كان في حصة كل إنسان منهم ما تجب فيه الزكاة ، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ) ولم يفرق بين الشركاء وغيرهم ، فاقتضى أنه إنما يعتبر ملك كل واحد على حدة ( قال : وهذا أحب ما سمعت إلي ) يدل على أنه قد سمع خلافه ، وذلك أن عمر والحسن والشعبي قالوا : إن الشركاء في العين والماشية والزرع إذا لم يعلم أحدهم ماله بعينه أنهم يزكون زكاة الواحد قياسا على الخلطاء في الماشية ، وبه قال الشافعي في الجديد ووافق مالكا أبو حنيفة وأبو ثور . [ ص: 147 ] ( قال مالك : وإذا كانت لرجل ذهب أو ورق متفرقة بأيدي أناس شتى فإنه ينبغي له أن يحصيها جميعا ثم يخرج ما وجب عليه من زكاتها كلها ) هذا إجماع إذا كان قادرا على ذلك ، ولم تكن ديونا في الذمم وقراضا ينتظر أن ينض قاله أبو عمر . ( قال مالك : ومن أفاد ذهبا أو ورقا ) بنحو ميراث أو هبة أو صدقة وما تقدم من إجارة إلى آخره ( إنه ) بكسر الهمزة هو مقول القول ( لا زكاة عليه فيها حتى يحول عليه الحول من يوم أفادها ) إذ هي تجددت عن غير مال فيستقبل ، وما هنا أعم مما تقدم فليس بتكرار .




                                                                                                          الخدمات العلمية