الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3062 44 - حدثنا محمد بن عبد الله بن إسماعيل، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن ابن عون، أنبأنا القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم، ولكن قد رأى جبريل في صورته وخلقه سادا ما بين الأفق.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  محمد بن عبد الله شيخه من أفراده، ومحمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري، وابن عون هو عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون المزني البصري، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فقد أعظم"؛ أي: دخل في أمر عظيم، ومفعوله محذوف. قوله: " في صورته"؛ أي: في هيئته وحقيقته. قوله: " وخلقه"؛ أي: خلقته التي خلق عليها. قوله: " سادا" نصب على الحال من جبريل؛ أي: مطبقا بين أفق السماء، وقال أحمد بإسناده عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: رأى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - جبريل في صورته وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم، والتهاويل الألوان المختلفة، وقال ابن الكلبي: سأل رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - جبريل أن يأتيه في صورته التي خلقه الله عليها، فقال له: لا تستطيع أن تثبت، فقال: بلى، فظهر له في ستمائة جناح سد الأفق جناح منها، فشاهد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - أمرا عظيما فصعق، وذلك معنى قوله تعالى: ولقد رآه نـزلة أخرى وقد ثبت أن جبريل عليه الصلاة والسلام كان يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - في صورة دحية الكلبي، وتارة كان يأتيه في صورة أعرابي، وأتاه مرتين في صورته التي خلق عليها مرة منهبطا من السماء ومرة عند سدرة المنتهى، وجبريل هو أمين الوحي وخازن القدس، ويقال له: الروح الأمين، وروح القدس، والناموس الأكبر، وطاوس الملائكة، ومعنى جبر: عبد، وإيل: اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه: عبد الله، وفيه أربعة عشر لغة ذكرتها في التاريخ الكبير في فضل خلق الملائكة.

                                                                                                                                                                                  ثم اعلم أن إنكار عائشة رضي الله تعالى عنها الرؤية لم تذكرها رواية؛ إذ لو كان معها رواية فيه لذكرته، وإنما اعتمدت على الاستنباط من الآيات وهو مشهور قول ابن مسعود، وعن أبي هريرة مثلها، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه رآه بعينه، روي ذلك عنه بطرق، وروى ابن مردويه في تفسيره عن الضحاك وعكرمة عنه في حديث طويل، وفيه: فلما أكرمني ربي برؤيته بأن أثبت بصري في قلبي أجد بصري لنوره نور العرش، وروى اللالكائي من حديث حماد بن سلمة عن قتادة، عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا: رأيت ربي عز وجل، ومن حديث أبي هريرة قال: رأيت ربي عز وجل.. الحديث، وذكر ابن إسحاق أن ابن عمر أرسل إلى ابن عباس يسأله: هل رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربه؟ فقال: نعم، والأشهر عنه أنه رآه بعينيه، وروي عنه أن الله تعالى اختص موسى عليه الصلاة والسلام بالكلام، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام بالخلة، ومحمدا بالرؤية، وقال الماوردي: قيل: إن الله قسم كلامه ورؤيته بين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام فرآه محمد مرتين، وكلمه موسى مرتين، وحكى أبو الفتح الرازي وأبو الليث السمرقندي هذه الحكاية عن كعب [ ص: 144 ] وحكى عبد الرزاق، عن الحسن أنه كان يحلف بالله لقد رأى محمد ربه، وحكى النقاش عن أحمد أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه، رآه حتى انقطع نفس أحمد. وقال الأشعري وجماعة من أصحابه: إنه رآه ببصره وعيني رأسه، وقال: كل آية أوتيها نبي من الأنبياء، فقد أوتي مثلها نبينا - صلى الله عليه وسلم - وخص من بينهم بتفضيل الرؤية.

                                                                                                                                                                                  فإن (قلت): قال الله تعالى: لا تدركه الأبصار وقال: " لن تراني " قلت: المراد بالإدراك الإحاطة، ونفي الإحاطة لا يستلزم نفي نفس الرؤية، وعن ابن عباس: لا يحيط به، ونحن نقول به، وقيل: لا تدركه أبصار الكفار، وقيل: لا تدركه الأبصار، وإنما يدركه المبصرون، وليس في الشرع دليل قاطع على استحالة الرؤية ولا امتناعها؛ إذ كل موجود فرؤيته جائزة غير مستحيلة، وأما قوله: " لن تراني " فمعناه في الدنيا، وذكر القاضي أبو بكر أن موسى عليه السلام رأى ربه؛ فلذلك صعق، وأن الجبل رأى ربه؛ فلذلك صار دكا، استنبطه من قوله: ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ثم قال: فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فرآه الجبل فصار دكا، ورآه موسى عليه السلام فصعق.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية