الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن محمد بن عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع خرج إلى الحج فمن أصحابه من أهل بحج ومنهم من جمع الحج والعمرة ومنهم من أهل بعمرة فقط فأما من أهل بحج أو جمع الحج والعمرة فلم يحلل وأما من كان أهل بعمرة فحلوا

                                                                                                          وحدثني عن مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقولون من أهل بعمرة ثم بدا له أن يهل بحج معها فذلك له ما لم يطف بالبيت وبين الصفا والمروة وقد صنع ذلك ابن عمر حين قال إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التفت إلى أصحابه فقال ما أمرهما إلا واحد أشهدكم أني أوجبت الحج مع العمرة

                                                                                                          قال مالك وقد أهل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع بالعمرة ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          751 742 [ ص: 380 ] - ( مالك عن محمد بن عبد الرحمن ) بن نوفل أبي الأسود يتيم عروة ( عن سليمان بن يسار ) أحد الفقهاء التابعي ( أن رسول الله ) أرسله سليمان ، وقد مر أن أبا الأسود وصله عن عروة عن عائشة أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع خرج إلى الحج ) في تسعين ألفا ، ويقال : مائة ألف وأربعة عشر ألفا ، ويقال : أكثر من ذلك حكاه البيهقي وهذا في عدة الذين خرجوا معه ، وأما الذين حجوا معه فأكثر المقيمين بمكة والذين أتوا من اليمن مع علي وأبي موسى وفي حديث : " إن الله وعد هذا البيت أن يحجه في كل سنة ستمائة ألف إنسان فإن نقصوا كملهم الله بالملائكة " ، قال الحافظ في تسديد القوس : هذا الحديث ذكره الغزالي ولم يخرجه شيخنا العراقي .

                                                                                                          ( فمن أصحابه من أهل بحج ) مفرد وهم أكثرهم ، ( ومنهم من جمع الحج والعمرة ) قرن بينهما ، ( ومنهم من أهل بعمرة ) فقط ، ( فأما من أهل بحج ، أو جمع الحج والعمرة فلم يحلل ) حتى كان يوم النحر ، ( وأما من كان أهل بعمرة فحلوا ) لما طافوا وسعوا وحلقوا أو قصروا من لم يسق هديا بإجماع ، ومن ساقه عند مالك والشافعي وجماعة قياسا على من لم يسقه ، ولأنه يحل من نسكه فوجب أن يحل له كل شيء ، وقال أبو حنيفة وأحمد وجماعة : لا يحل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر لما في مسلم عن عائشة مرفوعا : " من أحرم بعمرة ولم يهد فليتحلل ، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه ، ومن أهل بحج فليتم حجه " ، وهو ظاهر فيما قالوه .

                                                                                                          وأجيب بأن هذه الرواية مختصرة من الرواية الأخرى الآتية في الموطأ والصحيحين عن عائشة مرفوعا : " من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا " ، فهذه مفسرة للمحذوف من تلك ، وتقديرها : ومن أحرم بعمرة وأهدى فليهلل بالحج مع العمرة ولا يحل حتى ينحر هديه ، وهذا التأويل متعين جمعا بين الروايتين لاتحاد القصة والراوي .

                                                                                                          ( مالك أنه سمع بعض أهل العلم يقول : من أهل بعمرة ثم بدا له أن يهل بحج معها فذلك ) جائز ( له ما لم يطف بالبيت و ) يسعى ( بين الصفا والمروة ) ، فإن طاف وصلى ركعتيه [ ص: 381 ] فليس له الإرداف ولا ينعقد وأولى إن سعى لها ولا قضاء عليه ولا دم لأنه كالعدم لأنه يصح الإهلال بالحج بعد سعي العمرة وقبل حلاقها ، لكن يحرم عليه الحلق حتى يفرغ من الحج وعليه الهدي ، فلو حلق وجب عليه هدي وفدية .

                                                                                                          ( وقد صنع ذلك ابن عمر حين قال ) كما رواه الإمام بعد ذلك عن نافع عنه أنه قال حين خرج إلى مكة معتمرا في الفتنة : ( إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من التحلل حين حصرنا بالحديبية ، زاد في الرواية الآتية : فأهل بعمرة من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بعمرة عام الحديبية ، ثم نظر عبد الله في أمره فقال : ما أمرهما إلا واحد .

                                                                                                          ( ثم التفت إلى أصحابه فقال ) مخبرا لهم بما أدى إليه نظره ( ما أمرهما إلا واحد ) بالرفع أي في حكم الحصر فإذا جاز التحلل في العمرة مع أنها غير محدودة بوقت فهو في الحج أجوز ، وفيه العمل بالقياس ، ( أشهدكم أني قد أوجبت الحج مع العمرة ) فأدخل الحج عليها قبل أن يعمل شيئا من عملها وهو جائز باتفاق وإنما أشهد بذلك ، ولم يكتف بالنية لأنه أراد الإعلام لمن يريد الاقتداء به ، ( قال ) ابن عمر محتجا على إدخال الحج على العمرة ، ( وقد أهل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي بعضهم كما في حديث عائشة : ( عام حجة الوداع بالعمرة ثم قال ) لهم ( رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ) التي أهل بها أي يدخلها عليها ، ( ثم لا يحل ) من كل شيء حرم على المحرم ( حتى يحل منهما جميعا ) يوم النحر بتمام طواف الإفاضة .




                                                                                                          الخدمات العلمية