الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة إذا قال الفقيه : بحثت وفحصت فلم أظفر بالدليل ، هل يقبل منه ويكون الاستدلال بعدم الدليل ؟ قال البيضاوي : نعم ، لأنه يغلب ظن عدمه . وقال ابن برهان في الأوسط " : إن صدر هذا عن المجتهد في باب الاجتهاد والفتوى قبل منه ، أو في محل المناظرة لا يقبل ، لأن قوله : " بحثت فلم أظفر " يصلح أن يكون عذرا بينه وبين الله تعالى ، أما انتهاضه في حق [ ص: 38 ] خصمه فلا ، لأنه يدعو نفسه إلى مذهب خصمه . وقوله " لم أظفر به " إظهار عجز ولا يحسن قبوله فيجب على خصمه إظهار الدليل إن كان . وهذا التفصيل هو حاصل ما ذكره إلكيا ، على طول فيه ، بعد أن قيد الجواز عدم التعلق بالدليل بشرط الإحاطة بمآخذ الأدلة إما من جهة العبارة أو غيرها ، كقوله تعالى : { قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم } فجعل عدم الوحي في الأمر دليلا ، إذ هو عالم بالعدم .

                                                      وهذه الطريقة اشتهرت بين المتأخرين ، يستدلون بها في مسائل لا تحصى في طرق النفي ، وهو أن يقول : هذا الحكم غير ثابت ، لأنه لو ثبت لثبت بدليل ، ولا دليل لأنه إما نص أو إجماع أو قياس ، والأول منتف ، لأنه لو كان عن نص لنقل ولم ينقل ولو نقل لعرفناه بعد البحث والفحص التام والإجماع منتف لوجود الخلاف بيننا ، والقياس منتف لقيام الفارق بينه وبين الأصل الذي هو قياس علة الخصم . ونازع القاضي نجم الدين القدسي صاحب الركن الطاوسي في كتابه الفصول " بأنه يحتاج إلى الاطلاع على جميع النصوص من الكتاب والسنة ، ثم إلى معرفة جميع وجوه الدلالات . وهذا أمر لا يستطاع للبشر . وأسرار القرآن والسنة كثيرة ، ومظانها دقيقة ، وعقول الناس في فهمها مختلفة ، حتى إن منهم من يتكلم على الآية الواحدة أو الحديث الواحد مجلدات كثيرة في فوائدها ودلالتها ، ومع ذلك لا ينتهي .

                                                      ولذلك { قال النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن : هو الذي لا تنقضي عجائبه } فلا يمكن الإنسان علم عدم النص الدال على نفي الحكم إلا إذا علم ذلك كله ، وهو مستحيل ، ولو فرض علمه به لغفل عنه في بعض الأوقات ، كما رووا أن عمر - رضي الله عنه - أنكر المغالاة في المهر حتى قالت له المرأة : كيف منعناه وقد أعطانا الله ثم قرأت : { وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } ولا شك أن عمر - رضي الله عنه - كان حافظا للآية عالما بها ، ولكن ذهبت عنه ذلك الوقت ، فعلم أن ذلك عسر جدا ، فكيف يصير قوله : " بحثت فلم أجد " دليلا ؟ ، وقد يكون علمه قليلا وفهمه ناقصا وقوله غير [ ص: 39 ] مقبول ، فلعله وجد وكتم ، خوفا أو غيره . وفي تجويز ذلك فساد عظيم . انتهى ملخصا ، وقال الحواري في النهاية " : بعض الفقهاء يتكايس ويقول : الدليل على أنه لا نص هاهنا أنه لو كان لعثر عليه صاحب المذهب مع مبالغته في البحث وعلمه بموارد النصوص .

                                                      والظاهر أنه إذا عثر على النص لا يخالفه . وهذا قريب ، لأنه لا يدعي نفي الحكم قطعا بل ظنا ، فيكفيه نفي الدليل ظاهرا إن تمسك بالقياس النافي للحكم .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية