الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 124 - 125 ] قال : ( ولا يجمع في البكر بين الجلد والنفي ) والشافعي رحمه الله يجمع بينهما حدا لقوله عليه الصلاة والسلام : " { البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام }ولأن فيه حسم باب الزنا لقلة المعارف .

                                                                                                        ولنا قوله تعالى: { فاجلدوا }جعل الجلد كل الموجب رجوعا إلى حرف الفاء وإلى كونه كل المذكور ، ولأن في التغريب فتح باب الزنا لانعدام الاستحياء من العشيرة ثم فيه قطع مواد البقاء فربما [ ص: 126 ] تتخذ زناها مكسبة وهو من أقبح وجوه الزنا ، وهذه الجهة مرجحة لقول علي رضي الله عنه : كفى بالنفي فتنة ، والحديث منسوخ كشطره ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام " { الثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة }وقد عرف طريقه في موضعه .

                                                                                                        قال : ( إلا أن يرى الإمام في ذلك مصلحة فيغربه على قدر ما يرى ) وذلك [ ص: 127 ] تعزير وسياسة ; لأنه قد يفيد في بعض الأحوال فيكون الرأي فيه إلى الإمام ، وعليه يحمل النفي المروي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الحادي والعشرون :

                                                                                                        قال عليه السلام : { البكر بالبكر جلد مائة ، وتغريب عام }قلت : أخرجه مسلم عن عبادة بن الصامت ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ، الثيب بالثيب جلد مائة ، ورمي بالحجارة ، البكر بالبكر جلد مائة ، ونفي سنة }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه البخاري عن زيد بن خالد عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر فيمن زنى ، ولم يحصن ، بجلد مائة وتغريب عام } ، قال ابن شهاب : وأخبرني عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب غرب ، ثم لم تزل تلك السنة انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه البخاري أيضا عن أبي هريرة أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيمن زنى ، ولم يحصن ، بنفي عام ، وبإقامة الحد عليه }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        حديث العسيف ، وقد تقدم ، وفيه : وعلى ابنك جلد مائة ، وتغريب عام ، وفي لفظ للبخاري : وجلد ابنه مائة ، وغربه عاما ، ذكره في " الأيمان " ، قال المصنف : والحديث منسوخ كشطره ، وهو قوله عليه السلام : { الثيب بالثيب جلد مائة ، [ ص: 126 ] ورجم بالحجارة }يعني حديث عبادة بن الصامت المذكور انتهى .

                                                                                                        قوله : وعن علي أنه قال : كفى بالنفي فتنة قلت : رواه عبد الرزاق في " مصنفه " ، ومحمد بن الحسن في " كتاب الآثار " ، قالا : أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي ، قال : قال عبد الله بن مسعود في البكر يزني بالبكر ، قال : يجلدان مائة ، وينفيان سنة ، قال : وقال علي : حسبهما من الفتنة أن ينفيا انتهى .

                                                                                                        وروى محمد بن الحسن أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي ، قال : كفى بالنفي فتنة انتهى .

                                                                                                        وروى عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب ، قال : غرب عمر ربيعة بن أمية بن خلف في الشراب إلى خيبر ، فلحق بهرقل فتنصر ، فقال عمر : لا أغرب بعده مسلما انتهى .

                                                                                                        قوله : وعليه يحمل النفي المروي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم قلت : روى الترمذي حدثنا أبو كريب ، ويحيى بن أكثم ، قالا : ثنا عبد الله بن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب ، وأن أبا بكر ضرب وغرب ، وأن عمر ضرب وغرب انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث غريب ، هكذا رواه غير واحد عن عبد الله بن إدريس عن عبيد الله ، فرفعوه ورواه بعضهم عن ابن إدريس عن عبيد الله بن نافع عن ابن عمر أن أبا بكر ضرب وغرب ، الحديث حدثنا بذلك أبو سعيد الأشج ثنا عبد الله بن إدريس به وهكذا روي من غير رواية ابن إدريس عن عبيد الله بن عمر نحو هذا ، وهكذا رواه محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر ، أن أبا بكر ، لم يقولوا فيه : عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى .

                                                                                                        ورواه النسائي حدثنا محمد بن العلاء ثنا عبد الله بن إدريس به [ ص: 127 ] مرفوعا ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه انتهى .

                                                                                                        وذكره ابن القطان في " كتابه " من جهة النسائي ، وقال : رجاله ليس فيهم من يسأل عنه ، لثقته وشهرته ، وقد رواه هكذا عن عبد الله بن عمر ، كما رواه ابن العلاء عن ابن إدريس عنه ، جماعة ذكرهم الدارقطني ، منهم : مسروق بن المرزبان ، ويحيى بن أكثم وجحدر بن الحارث ، وفيه رواية أخرى عن ابن إدريس رواها يوسف ، ومحمد بن سابق عن ابن إدريس عن عبيد الله عن نافع أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، لم يذكر ابن عمر ، وفيه رواية ثالثة عن ابن إدريس رواها عنه محمد بن عبد الله بن نمير ، وأبو سعيد الأشج عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن أبا بكر ضرب وغرب ، الحديث .

                                                                                                        لم يقل فيه : إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر جميع ذلك الدارقطني ، وقال : إن هذه الرواية الأخيرة هي الصواب ، قال ابن القطان : وعندي أن الحديث صحيح ، ولا يمتنع أن يكون عند ابن إدريس فيه عن عبيد الله جميع ما ذكر انتهى .

                                                                                                        أثر آخر :

                                                                                                        رواه مالك في " الموطإ " عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته أن أبا بكر الصديق أتي برجل قد وقع على جارية بكر ، فأحبلها ، ثم اعترف على نفسه بالزنا ، ولم يكن أحصن ، فأمر به أبو بكر ، فجلد الحد ، ثم نفي إلى فدك انتهى .

                                                                                                        وروى عبد الرزاق في " مصنفه في الطلاق " أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع ، قال : جاء رجل [ ص: 128 ] إلى أبي بكر ، فذكر أن ضيفا له افتض أخته ، استكرهها على نفسها ، فسأله ، فاعترف ، فضربه أبو بكر الحد ، ونفاه سنة إلى فدك ، ولم يضربها ، لأنه استكرهها ، ثم زوجها إياه أبو بكر ، وأدخله عليها انتهى .

                                                                                                        أثر آخر :

                                                                                                        رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا جرير عن مغيرة عن ابن يسار مولى لعثمان ، قال : جلد عثمان امرأة في زنا ، ثم أرسل بها مولى له ، يقال له : المهري إلى خيبر ، نفاها إليها انتهى .

                                                                                                        أثر آخر :

                                                                                                        في " موطإ مالك " : عن نافع أن عبدا كان يقوم على رقيق الخمس ، وأنه استكره جارية من تلك الرقيق ، فوقع بها ، فجلده عمر بن الخطاب ، ونفاه ، ولم يجلد الوليدة ، لأنه استكرهها انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية