الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                قاعدة : قال : كل عضو فيه منفعة ، فالدية للمنفعة ، والعضو تبع ; فإن ذهبت المنفعة وحدها ففي العضو حكومة . ومذهب مالك : أن العقل في القلب ، لقوله تعالى : ( قلوب يعقلون بها ) كما قال : ( أعين يبصرون بها ) وعليه أكثر الفقهاء وأقل الفلاسفة ، وقال عبد الملك وأكثر الفلاسفة و ( ح ) والمعتزلة : هو في الرأس ; لأنه إذا مرض الدماغ أو جرح ذهب العقل . وجوابه : مسلم ، ولكن لم لا يجوز أن يكون ذلك ; لأن استقامة الدماغ شرط لا أنه محله جمعا بين الآثار والنصوص ، فإن ذلك العقل في المأمومة فله عند مالك دية العقل ودية المأمومة لاختلاف الموضع ، كمن أذهب عين رجل وسمعه . وعلى رأي الآخرين دية واحدة ، لاتحاد الموضع . كمن أذهب العين والبصر والأذن والسمع . وفي المنتقى عن مالك : إذا ذهب الشم لا دية حتى يستأصل ، لظاهر الحديث ، وإن ذهب الشم مع الجدع : فقال ابن القاسم : دية واحدة ، وقال ابن الجلاب : القياس - عندي - ديتان ، وإن وطئ امرأته فأفضاها : فحكومة في ماله إن قصر عن الثلث ، أو الثلث فعلى عاقلته ، قاله مالك ; لأنه تعدى في مأذون فيه ، فله حكم الخطأ ، وفي الأجنبية ففي ماله وإن جاوز الثلث مع صداق المثل ; لأنه عمد لعدم الإذن ، وإن أذهب عذرة امرأته بأصبعه ( ثم طلقها ، فعليه بقدر ما شانها عند الأزواج مع نصف الصداق ; لأن ذلك بأصبعه ) غير مأذون فيه ، ولا يتم الصداق ; لأنه ليس بوطء ، قال مالك في الذكر المسترخي واللسان المسترخي من الكبر ، أو ضعف العين من كبر ، أو [ . . . ] : الدية كاملة ، وعن أشهب : إن أصيبت [ ص: 370 ] رجله بعرق أو تنقص عينه برمد ، ثم يجنى عليها فإنما له بحساب ذلك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في المنتقى : إذا علاها بياض فادعى ذهاب بصره . قال أشهب : يقبل قوله ويشار إلى عينه ، فإن لم يظهر كذبه ، حلف وأخذ ما ادعى ; لأنه لا طريق لصدقه إلا بهذا ، وإن تبين كذبه لاختلاف قوله بطلت دعواه . قال أصبغ : إن ادعى ذهاب جماع النساء وأمكن اختباره اختبر ، وإلا حلف وأخذ الدية ، فإن رجع له جماعه بقرب ذلك أو ببعده رد ما أخذ ، وكذلك كل ما لا يعرف إلا من قبله نحو : كلامه وسمعه ، وفي الجواهر : يقرب إليه بيضة كما فعله علي بن أبي طالب رضي الله عنه من جهات شتى في النظر ، وفي السمع : يصاح به من مواضع شتى ويسأل ، فإن تساوت أقواله أو تقاربت صدق مع يمينه . قال أشهب : ويحسب له ذلك على سمع وسط من الرجال مثله ، فإن اختلف قوله لم يكن له شيء ، وقال ابن دينار : له الأقل مع يمينه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في النوادر : إن ضرب فذهب عقله انتظر به سنة ، فإن أخذ العقل ثم رجع إليه عقله . روى أصبغ : لا يرد شيئا ; لأنه حكم قد قضي به .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إن اسود نصف السن وتحركت فله الأكثر مثل أن يذهب ثلث قوتها فله نصف ديتها ، وكذلك إن اسود ثلثها وذهب نصف قوتها ثم عقلها أو كسر بعضها بقدره فما أشرف منها لا من أصلها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال ابن القاسم عن مالك : إذا تمت الموضحة الخطأ إلى المنقلة ، فله عقل منقلة أو عقله فله الموضحة وعقل العين .

                                                                                                                [ ص: 371 ] فرع

                                                                                                                قال : قال مالك : إن أصابه موضحتين ، أو مأمومتين ، أو منقلتين ، عقل كل ذلك ، قال أشهب : إن ضربه ضربة فأوضحه موضحتين بينهما حاجز ، ثم ضربه فأزاله ، فثلاثة مواضح .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال محمد : قول مالك وابن القاسم وأشهب : إن العين إذا أصيبت خطأ وقد نقصت قبل ذلك ، إن أخذ له عقل حوسب به وإن قل ، وإن ضعف البصر لا يأخذ له شيئا إلا أن ينقص جزءا معلوما وإن قل ، ويلزم الجاني ما بقي ، وإن كان عمدا اقتص منه ولم يحاسب ، وإن كان من أمر سماوي لم يحاسب ، وقال مالك : يحاسب .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : إن بقي حوالي الجرح شين وكان أرش الجرح مقدرا اندرج الشين إلا في موضحة الرأس ; فإنه يزاد على عقلها بقدر ما شانت بالاجتهاد . روى أشهب : لا يزاد لأنه مقدر .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا وقف للصبي الذي لم يثغر عقل سنة حتى ينظر هل تجب أم لا ، فمات قبل ذلك ورثت عنه ، وإن لم ينبت أخذ هو العقل ، فإن نبتت قدرها أخذ من ديتها قدر نصفها ، وإن نبت بعضها ثم مات ; دفع لوارثه عقلها لعدم حصول بدلها ، قال سحنون : لا يوقف كل العقل ، بل مقدار ما إذا نقصت السن لم يعقل به كالعين إذا ضعفت .

                                                                                                                [ ص: 372 ] فرع

                                                                                                                قال : رجل الأعرج عرجا خفيفا كالصحيح إن لم يأخذ به أرشا .

                                                                                                                تمهيد : في [ . . . ] المنافع التي في كل منها الدية ، عشرة : العقل ، والسمع ، والبصر ، والشم ، والنطق ، والصوت ، والذوق ، والجماع ، والإفضاء فيه حكومة ، وقيل : كمال الدية ; وهو : اختلاط مسلك الذكر والبول ، العاشر : القيام والجلوس ، فيهما الدية ، فإن بطل القيام فقط ; فعن مالك : فيه الدية . وعن عبد الملك : إذا انكسر الصلب وامتنع الجلوس ; ففيه الدية . قال صاحب الخصال : تسع مفردات في كل واحد منها الدية : النفس ، والعقل ، والأنف ، والذكر ، والمارن ، واللسان ، والصلب إذا كسر فأقعده ، وعين الأعور ، والشواة وهي جلدة الرأس . وثمانية أزواج في كل زوج الدية ، وفي أحدها نصف الدية : العينان ، ونظرهما ، والأذنان ، واليدان ، وكفاهما ، ومن المرفقين ، وثدي المرأة ، وحلمتاها إذا بطل اللبن ، وسبعة فيها الحكومة : إليتا الرجل والمرأة ، والحاجبان ، وجفون العين ، وأشفارها ، وثدي الرجل ، وشعر الرأس إذا لم ينبت ، واللحية إذا لم تنبت .

                                                                                                                تنبيه قال مالك : لا تكون الموضحة والمنقلة في اللحي الأسفل ، وقال ( ش ) : في جميع الوجه . لنا : أنه يتغطى بالشعر ، فهو غير مواجه ، فأشبه العين ، وهو ينقلب علينا بالقياس على الرأس بجامع تغطية الشعر ، بل نقول عظم ( مباين لعظم الفخذ فيقاس على الساق ) وإذا جرحه وأذهب عقله فالأرش والدية ، وقاله ( ش ) ، وقال ( ح ) : دية العقل فقط . لنا : أنهما جنايتان ; فيكون لهما جايزان ; كاليد والرجل . احتجوا : بأن العقل كالنفس ، ولو سرى إلى نفسه فدية واحدة ، والعقل والنفس حكمهما واحد ; لسقوط التكليف بعدم كل واحد منهما . وجوابه : أن [ ص: 373 ] الروح إذا فاتت لا ينتفع بعد ذلك بشيء بخلاف غيرها ، وعن الثاني : أن العقل مع بقاء النفس يتوقع عوده بخلاف النفس ، وقد تستوي المختلفات في بعض الأحكام واللوازم ، ولا يلزم استواؤهما في غيرها ; لأن في يدي المجنون الدية ، وفي يدي الميت الأدب فقط ، ومنع ( ش ) تجاوز الحكومة الموضحة . لنا : القياس على قيم المتلفات . احتجوا : بأن المقدرات أهم في نظر الشرع ، ولذلك لم يهملها ، فلا يتجاوز أقلها وهو الموضحة ، وجوابه : أن هذا على أصلكم في أن التعزير لا يزيد على الحد ، ونحن نقول : قد يتجاوز غير المقدر كالمتلفات ، وميراث الابن غير مقدر ، وهو أعظم من الأخ للأم . ونظائره كثيرة .

                                                                                                                [ ص: 374 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : تعاقل المرأة الرجل في الجراح إلى ثلث ديته فترجع إلى عقلها ، ففي ثلاثة أصابع ونصف أنملة : أحد وثلاثون بعيرا وثلثا بعير ، فتساوي الرجل ، وتخالفه في ثلاثة أصابع : أنملة ستة عشر وثلثان ، لأنها وصلت الثلث ، وإن قطع لها أصبع فعشر ، كذلك ثان وثالث ، فإن قطع ثلاث من كف فثلاثون ، فإن قطع من تلك اليد الأصبعان الباقيان في مرة أو مرتين ، ففي كل أصبع خمس ، وإن قطع بعد الثلاثة من اليد الأخرى : أصبع مرتين ، ففي كل أصبع خمس ، وإن قطع بعد الثلاثة من اليد الأخرى : أصبع أو أصبعان أو ثلاثة في مرة أو مرتين فثلاثون ، لأنها يد أخرى بكم مبتدأ ، أو أصبعان من كل يد في ضربة واحدة ، فعشرون ، ثم إن قطع لها من إحدى اليدين أصبع فعشر ، وإن قطع من اليد الأخرى أصبع فعشر ، ( وكذلك إن قطع لها الأصبعان من اليد معا فعشرون ) فما زاد بعد ثلاثة أصابع من كل كف ، ففي كل أصبع خمس ، خمس ، افترق القطع أو معا ، وإن قطع لها ثلاثة أصابع من يد ، وأصبع من الأخرى في ضربة فخمس خمس ، ثم إن قطع الأصبع أو الأصبعان من اليد المقطوعة منها الثلاثة رابع ومن اليد الأخرى أصبع أو أصبعان ، ففي الرابع من إحدى اليدين خمسة أبعرة ، وفي الأصبع أو الأصبعين من اليد الأخرى : عشر ، عشر ، افترق القطع أو ضربة واحدة ، ما لم يقطع لها في ضربة من اليدين أربع أصابع ورجلان فكاليدين في ذلك ، قال ابن القاسم : إن قطع أصبعان عمدا فاقتصت أو عفت ، ثم قطع من الكف أصبعان خطأ : ففيها عشرون ، ولا يضم عمد إلى خطأ لتباينهما ، [ ص: 375 ] وفي المنقلة ، ثم المنقلة ، ثم منقلة ما للرجل إذا لم يكن في فور واحد ، والمنقلة الثانية في موضع الأول بعد برئها ، فكذلك ، وكذلك المواضح ، وإن أصابها في ضربة بمواضح أو مناقل تبلغ ثلث الدية ، رجعت لعقلها . وفي النكت : إنما استويا في دون العقل لتسوية السنة في الجنين بين الذكر والأنثى ، وهو دون الثلث ، وفي النسائي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث ديته ) وهو في الموطأ عن سعيد بن المسيب وجماعة من التابعين ، قال ابن يونس : لم يختلف أن دية نفسها كنصف دية نفسه ، وأنها على النصف منه في الميراث والشهادة ، واختلف قول ابن القاسم في الأسنان ، فجعلها مرة كالأصابع يحاسب بما يقدم من ثلث الدية ، ومرة لا يحاسب بما تقدم ، قال أصبغ ، والأول أحسن إلا أن يأتي على جميع ذلك ما لم يكن في ضربة واحدة ، بخلاف الأصابع ، وعن ابن القاسم : الأسنان كمواضح أو مناقل لا يجمع منها إلا ما كان في ضربة واحدة ( بخلاف الأصابع ) ما لم يكن شيء له دية لا يحسب منه ما ذهب كالأرنبة ، والسمع ، والبصر ، وأما المواضح والمناقل فلا ، وخالف عبد العزيز فجعل الأصابع وإن كانت من كف واحد كالأسنان ، والمواضح في كل أصبع عشر ، وإن أتى على جميع الأصابع ، ما لم يكن في ضربة واحدة ، وقال ابن وهب ، وعبد الملك ، وعبد العزيز : إن قطع لها أربع أصابع في ضربة واحدة ، وأخذت عشرين ، فإن قطعت الخامسة ، فخمس فرائض ، وقال عبد الملك : عشر خلافا لقول مالك وأصحابه ، قال اللخمي : إن [ ص: 376 ] قطع من اليدين أربعا معا فعشرون ، ثم إن قطع منها أصبعا فعشر ; لأن المقطوع حينئذ من كل ثلاث ، فإن قطع بعد ذلك أصبعان ، فخمس . قاله ابن القاسم ، وجعلها كمن أخذت من الأول عشرا ، وقال ابن نافع : كل ما أصيبت به من الأصابع منفردا فعشر ، ولا تضاف مصيبة إلى مصيبة إلا أن يقطع معا ما يكون عقله ثلث دية الرجل فترجع لعقل نفسها ، وإن أصيبت أصبعان بأمر سماوي ثم جني على الثلاثة الباقية أخذت عشرا عشرا ، فإن اقتصت في الأول وفي الثاني خطأ فلا يضاف للعمد ، ويراعى في المواضح والمنقلات وغيرها من الجراحات أن تكون في ضربة واحدة ; فإن وصلت الثلث فعقلها ويستأنف الحكم في المعترف ، ويضم السمع واليدان ونحوه الآخر للأول .

                                                                                                                وفي المنتقى : إن قطع منها أربع أصابع في ضربة واحدة ، أو ما هو في حكمها من التتابع فعشرون ، أو بأفعال مفترقة فثلاثون ، ويضاف ما قطع بعد ذلك من تلك الكف إلى ما تقدم وفيها خمس ; لأن الكف الواحد يضاف بعضها إلى بعض فيراعى اتحاد المحل والعمد والخطأ والفعل . والفرق بين اليد والمنقلة : أن المنقلة لا تؤثر في الثانية ، وقطع الأصبع يشين اليد ، والأسنان كالمنقلة .

                                                                                                                وفي النوادر : لا يحسب قطع كف مع أخرى إلا أن يقطع منهما معا وكذلك الرجلان ، فلو قطع لها من كف ثلاثا ( ثم من الأخرى ثلاثا ) فعقل الرجل . فإن قطع من هذه أنملة ، ومن هذه نصف أنملة فهي في الأنملة على ديتها ، وفي نصف الأنملة على دية الرجل كان نصف الأعلى والأنملة في ضربة واحدة أو ضربتين ، من رجل أو رجلين ; فإن مات ما بقي من الأنملة فهي كأنملة ، وكذلك فيما بقي من كل كف ، وإن أصيبت في ضربة بأصبعين من كل [ ص: 377 ] يد ، لم يختلف في هذا أن لها عقل نفسها ، أو ضربت ويدها على رأسها فقطعت لها أصبعين ، وشجها منقلة أو مأمومة فعقل نفسها في ذلك كله ، وإن ذهب بضربة واحدة من كل كف أصبعين ثم أزيل بضربة ثلاثة أصابع : أصبعين من هذه ، وأصبع من هذه ، ففي الأصبعين مثل عقلها ، وفي الأصبع عقل الرجل ، قاله مالك ، وابن القاسم ، وأشهب .

                                                                                                                وفي الجواهر : يعتبر اتحاد الفعل كضربة أو ضربات في معنى الضربة الواحدة من رجل أو جماعة ، وإن تعدد الكف ، وكذلك لو اتحد المحل كالكف الواحدة ، وإن تعددت الضربات وتباينت .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية