الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : إنما قال : ( الحمد لله ) ولم يقل : أحمد الله ، لوجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن الحمد صفة القلب [ ص: 120 ] وربما احتاج الإنسان إلى أن يذكر هذه اللفظة حال كونه غافلا بقلبه عن استحضار معنى الحمد والثناء ، فلو قال في ذلك الوقت : أحمد الله ، كان كاذبا واستحق عليه الذم والعقاب ، حيث أخبر عن دعوى شيء مع أنه ما كان موجودا . أما إذا قال : الحمد لله ، فمعناه : أن ماهية الحمد وحقيقته مسلمة لله تعالى . وهذا الكلام حق وصدق سواء كان معنى الحمد والثناء حاضرا في قلبه أو لم يكن ، وكان تكلمه بهذا الكلام عبادة شريفة وطاعة رفيعة ، فظهر الفرق بين هذين اللفظين .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : روي أنه تعالى أوحى إلى داود عليه السلام يأمره بالشكر ، فقال داود : يا رب وكيف أشكرك وشكري لك لا يحصل إلا أن توفقني لشكرك ، وذلك التوفيق نعمة زائدة ، وإنها توجب الشكر لي أيضا ، وذلك يجر إلى ما لا نهاية له ولا طاقة لي بفعل ما لا نهاية له ؟ فأوحى الله تعالى إلى داود : لما عرفت عجزك عن شكري فقد شكرتني .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا عرفت هذا فنقول : لو قال العبد : أحمد الله ، كان دعوى أنه أتى بالحمد والشكر فيتوجه عليه ذلك السؤال . أما لو قال : الحمد لله فليس فيه ادعاء أن العبد أتى بالحمد والثناء ، بل ليس فيه إلا أنه سبحانه مستحق للحمد والثناء سواء قدر على الإتيان بذلك الحمد أو لم يقدر عليه ، فظهر التفاوت بين هذين اللفظين من هذا الوجه ، وثالثها : أنه لو قال : أحمد الله ، كان ذلك مشعرا بأنه ذكر حمد نفسه ولم يذكر حمد غيره . أما إذا قال : الحمد لله ، فقد دخل فيه حمده وحمد غيره من أول خلق العالم إلى آخر استقرار المكلفين في درجات الجنان ودركات النيران ، كما قال تعالى : ( دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام ) [يونس : 10] فكان هذا الكلام أفضل وأكمل .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية