الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            وقوله : ( على ما فرطنا فيها ) فيه بحثان :

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الأول : قال أبو عبيدة يقال : فرطت في الشيء أي ضيعته فقوله : ( فرطنا ) أي تركنا وضيعنا وقال الزجاج : فرطنا أي قدمنا العجز ، جعله من قولهم فرط فلان إذا سبق وتقدم ، وفرط الشيء إذا قدمه . قال الواحدي : فالتفريط عنده تقديم التقصير .

                                                                                                                                                                                                                                            والبحث الثاني : أن الضمير في قوله : ( فيها ) إلى ماذا يعود فيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال ابن عباس في الدنيا ، والسؤال عليه أنه لم يجر للدنيا ذكر فكيف يمكن عود هذا الضمير إليها . وجوابه : أن العقل دل على أن موضع التقصير ليس إلا الدنيا ، فحسن عود الضمير إليها لهذا المعنى .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قال الحسن المراد يا حسرتنا على ما فرطنا في الساعة ، والمعنى : على ما فرطنا في إعداد الزاد للساعة وتحصيل الأهبة لها .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أن تعود الكناية إلى معنى ما في قوله : ( فرطنا ) أي حسرتنا على الأعمال والطاعات التي فرطنا فيها .

                                                                                                                                                                                                                                            والرابع : قال محمد بن جرير الطبري : الكناية تعود إلى الصفقة ؛ لأنه تعالى لما ذكر الخسران دل ذلك على حصول الصفقة والمبايعة .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ) فاعلم أن المراد من قولهم يا حسرتنا على ما فرطنا فيها إشارة إلى أنهم لم يحصلوا لأنفسهم ما به يستحقون الثواب ، وقوله : ( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ) إشارة إلى أنهم حصلوا لأنفسهم ما به استحقوا العذاب العظيم ، ولا شك أن ذلك نهاية الخسران . قال ابن عباس : الأوزار الآثام والخطايا . قال أهل اللغة : الوزر الثقل وأصله من الحمل يقال : وزرت الشيء أي حملته أزره وزرا ، ثم قيل للذنوب : أوزار ؛ لأنها تثقل ظهر من عملها ، وقوله : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [ الأنعام : 164 ] أي : لا تحمل نفس حاملة . قال أبو عبيدة : يقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع : احمل وزرك ، وأوزار الحرب : أثقالها من السلاح ، ووزير السلطان الذي يزر عنه أثقال ما يسند إليه من تدبير الولاية أي يحمل . قال الزجاج : وهم يحملون أوزارهم أي يحملون ثقل ذنوبهم ، واختلفوا في كيفية حملهم الأوزار ، فقال المفسرون : إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله شيء هو أحسن الأشياء صورة وأطيبها ريحا ويقول : أنا عملك الصالح طالما ركبتك في الدنيا فاركبني أنت اليوم فذلك قوله : ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ) [ مريم : 85 ] قالوا ركبانا ، وإن الكافر إذا خرج من قبره استقبله شيء هو أقبح الأشياء صورة وأخبثها ريحا ، فيقول : أنا عملك الفاسد طالما ركبتني في الدنيا فأنا أركبك اليوم فذلك قوله : ( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ) وهذا قول قتادة والسدي . وقال الزجاج : الثقل كما يذكر في المنقول ، فقد يذكر أيضا في الحال والصفة يقال : ثقل علي خطاب فلان ، والمعنى كرهته فالمعنى أنهم يقاسون عذاب ذنوبهم مقاساة ثقل ذلك عليهم . وقال آخرون : معنى قوله : ( وهم يحملون أوزارهم ) أي لا تزايلهم أوزارهم كما تقول : شخصك نصب عيني أي ذكرك ملازم لي .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ألا ساء ما يزرون ) والمعنى بئس الشيء الذي يزرونه أي يحملونه ، والاستقصاء في تفسير هذا اللفظ مذكور في سورة النساء في قوله : ( وساء سبيلا ) [ سورة النساء : 22 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية