[ ص: 170 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=34ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين )
قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=34ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين )
في الآية مسألتان :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى أزال الحزن عن قلب رسوله في الآية الأولى بأن بين أن تكذيبه يجري مجرى تكذيب الله تعالى فذكر في هذه الآية طريقا آخر في إزالة الحزن عن قلبه ، وذلك بأن بين أن
nindex.php?page=treesubj&link=31788_31780سائر الأمم عاملوا أنبياءهم بمثل هذه المعاملة ، وأن أولئك الأنبياء صبروا على تكذيبهم وإيذائهم حتى أتاهم النصر والفتح والظفر فأنت أولى بالتزام هذه الطريقة لأنك مبعوث إلى جميع العالمين ، فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا . ثم أكد وقوى تعالى هذا الوعد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=34ولا مبدل لكلمات الله يعني أن وعده إياك بالنصر حق وصدق ، ولا يمكن تطرق الخلف والتبديل إليه ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=171ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ) [ الصافات : 171 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=21كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ) [ المجادلة : 21 ] وبالجملة فالخلف في كلام الله تعالى محال وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=34ولقد جاءك من نبإ المرسلين ) أي خبرهم في القرآن كيف أنجيناهم ودمرنا قومهم . قال
الأخفش : " من " ههنا صلة ، كما تقول أصابنا من مطر . وقال غيره : لا يجوز ذلك لأنها لا تزاد في الواجب ، وإنما تزاد مع النفي كما تقول : ما أتاني من أحد ، وهي ههنا للتبعيض ، فإن الواصل إلى الرسول عليه السلام قصص بعض الأنبياء لا قصص كلهم كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=78منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ) [ غافر : 78 ] وفاعل : " جاء " مضمر أضمر لدلالة المذكور عليه ، وتقديره : ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين .
المسألة الثانية : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=34ولا مبدل لكلمات الله ) يدل على قولنا في
nindex.php?page=treesubj&link=28785خلق الأفعال ؛ لأن كل ما أخبر الله عن وقوعه ، فذلك الخبر ممتنع التغير ، وإذا امتنع تطرق التغير إلى ذلك الخبر امتنع تطرق التغير إلى المخبر عنه . فإذا أخبر الله عن بعضهم بأنه يموت على الكفر كان ترك الكفر منه محالا . فكان تكليفه بالإيمان تكليفا بما لا يطاق . والله أعلم .
[ ص: 170 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=34وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ )
قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=34وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ )
فِي الْآيَةِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَزَالَ الْحُزْنَ عَنْ قَلْبِ رَسُولِهِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى بِأَنْ بَيَّنَ أَنَّ تَكْذِيبَهُ يَجْرِي مَجْرَى تَكْذِيبِ اللَّهِ تَعَالَى فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ طَرِيقًا آخَرَ فِي إِزَالَةِ الْحُزْنِ عَنْ قَلْبِهِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31788_31780سَائِرَ الْأُمَمِ عَامَلُوا أَنْبِيَاءَهُمْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ ، وَأَنَّ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءَ صَبَرُوا عَلَى تَكْذِيبِهِمْ وَإِيذَائِهِمْ حَتَّى أَتَاهُمُ النَّصْرُ وَالْفَتْحُ وَالظَّفَرُ فَأَنْتَ أَوْلَى بِالْتِزَامِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لِأَنَّكَ مَبْعُوثٌ إِلَى جَمِيعِ الْعَالَمِينَ ، فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرُوا تَظْفَرْ كَمَا ظَفِرُوا . ثُمَّ أَكَّدَ وَقَوَّى تَعَالَى هَذَا الْوَعْدَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=34وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ يَعْنِي أَنَّ وَعْدَهُ إِيَّاكَ بِالنَّصْرِ حَقٌّ وَصِدْقٌ ، وَلَا يُمْكِنُ تَطَرُّقُ الْخُلْفِ وَالتَّبْدِيلِ إِلَيْهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=171وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ) [ الصَّافَاتِ : 171 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=21كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) [ الْمُجَادَلَةِ : 21 ] وَبِالْجُمْلَةِ فَالْخُلْفُ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=34وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ) أَيْ خَبَرُهُمْ فِي الْقُرْآنِ كَيْفَ أَنْجَيْنَاهُمْ وَدَمَّرْنَا قَوْمَهُمْ . قَالَ
الْأَخْفَشُ : " مِنْ " هَهُنَا صِلَةٌ ، كَمَا تَقُولُ أَصَابَنَا مِنْ مَطَرٍ . وَقَالَ غَيْرُهُ : لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تُزَادُ فِي الْوَاجِبِ ، وَإِنَّمَا تُزَادُ مَعَ النَّفْيِ كَمَا تَقُولُ : مَا أَتَانِي مِنْ أَحَدٍ ، وَهِيَ هَهُنَا لِلتَّبْعِيضِ ، فَإِنَّ الْوَاصِلَ إِلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَصَصُ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ لَا قَصَصُ كُلِّهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=78مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ) [ غَافِرٍ : 78 ] وَفَاعِلُ : " جَاءَ " مُضْمَرٌ أُضْمِرَ لِدَلَالَةِ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ ، وَتَقْدِيرُهُ : وَلَقَدْ جَاءَكَ نَبَأٌ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=34وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ) يَدُلُّ عَلَى قَوْلِنَا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28785خَلْقِ الْأَفْعَالِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ وُقُوعِهِ ، فَذَلِكَ الْخَبَرُ مُمْتَنِعُ التَّغَيُّرِ ، وَإِذَا امْتَنَعَ تَطْرَّقَ التَّغَيُّرُ إِلَى ذَلِكَ الْخَبَرِ امْتَنَعَ تَطَرُّقُ التَّغَيُّرِ إِلَى الْمُخْبَرِ عَنْهُ . فَإِذَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ بَعْضِهِمْ بِأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ كَانَ تَرْكُ الْكُفْرِ مِنْهُ مُحَالًا . فَكَانَ تَكْلِيفُهُ بِالْإِيمَانِ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .