الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( فيكشف ما تدعون إليه ) أي فيكشف الضر الذي من أجله دعوتم وتنسون ما تشركون به ، وفيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال ابن عباس : المراد تتركون الأصنام ولا تدعونهم لعلمكم أنها لا تضر ولا تنفع .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قال الزجاج : يجوز أن يكون المعنى أنكم في ترككم دعاءهم بمنزلة من قد نسيهم ، وهذا قول الحسن لأنه قال : يعرضون إعراض الناسي ، ونظيره قوله تعالى : ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله ) [ يونس : 22 ] ولا يذكرون الأوثان .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : هذه الآية تدل على أنه تعالى قد يجيب الدعاء إن شاء وقد لا يجيبه ، لأنه تعالى قال : ( فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ) ولقائل أن يقول : إن قوله : ( ادعوني أستجب لكم ) [ غافر : 60 ] يفيد الجزم بحصول الإجابة ، فكيف الطريق إلى الجمع بين الآيتين .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب أن نقول : تارة يجزم تعالى بالإجابة وتارة لا يجزم ، إما بحسب محض المشيئة كما هو قول أصحابنا ، أو بحسب رعاية المصلحة كما هو قول المعتزلة ، ولما كان كلا الأمرين حاصلا لا جرم وردت الآيتان على هذين الوجهين .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : حاصل هذا الكلام كأنه تعالى يقول لعبدة الأوثان : إذا كنتم ترجعون عند نزول الشدائد إلى الله تعالى لا إلى الأصنام والأوثان ، فلم تقدمون على عبادة الأصنام التي لا تنتفعون بعبادتها ألبتة ؟ وهذا الكلام إنما يفيد لو كان ذكر الحجة والدليل مقبولا . أما لو كان ذلك مردودا وكان الواجب هو محض التقليد ، كان هذا الكلام ساقطا ، فثبت أن هذه الآية أقوى الدلائل على أن أصل الدين هو الحجة والدليل . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية