الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل القران : أن يقرن الشارع بين شيئين لفظا ) أي في اللفظ ( لا يقتضي ) ذلك القرآن ( تسوية بينهما ) أي بين الشيئين المذكورين ( حكما في غير ) الحكم ( المذكور إلا بدليل ) من خارج عند أكثر أصحابنا والحنفية والشافعية . [ ص: 386 ] وذلك مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ، ولا يغتسل فيه من جنابة } لأن الأصل عدم الشركة . قال ابن قاضي الجبل : لا يلزم من تنجسه بالبول تنجسه بالاغتسال . ومن الدليل أيضا : قوله سبحانه وتعالى { كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده } فعطف واجبا على مباح . لأن الأصل عدم الشركة وعدم دليلها . وخالف أبو يوسف وجمع .

لأن العطف يقتضي المشاركة ، نحو . قوله تعالى . { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } فلذلك لا تجب الزكاة في مال الصغير . لأنه لو أريد دخوله في الزكاة لكان فيه عطف واجب على مندوب ; لأن الصلاة عليه مندوبة اتفاقا ، وضعف بأن الأصل في اشتراك المعطوف والمعطوف عليه : إنما هو فيما ذكر ، لا فيما سواه من الأمور الخارجية . وقد أجمعوا على أن اللفظين العامين إذا عطف أحدهما على الآخر ، وخص أحدهما : لا يقتضي تخصيص الآخر ، واستدل لهذا المذهب أيضا بقول الصديق رضي الله تعالى عنه " والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة " واستدل ابن عباس لوجوب العمرة بأنها قرينة الحج في كتاب الله تعالى ، ورد الدليل وقرينه في الأمر بها ، واستدل القاضي بقوله تعالى { أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء } قال : فعطف اللمس على الغائط موجب للوضوء . قال : وخصصه أحمد بالقرينة . فذكر قوله تعالى في آية النجوى وقوله تعالى { وأشهدوا إذا تبايعتم } فإن أمن فلا بأس . انظر إلى آخر الآية ( ولا يلزم من إضمار شيء في معطوف ) على شيء ( أن يضمر ) ذلك الشيء ( في معطوف عليه ) ذكره أبو الخطاب وابن حمدان وابن قاضي الجبل والمالكية والشافعية ، خلافا للحنفية والقاضي وابن السمعاني وابن الحاجب .

وترجمة هذه المسألة بما في المتن هي ترجمة أبي الخطاب في التمهيد ، وترجمها الرازي والبيضاوي والهندي وابن قاضي الجبل بقولهم " عطف الخاص على العام لا يقتضي تخصيص المعطوف عليه " ومثل الفريقان لهذه المسألة بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد وأبو داود والنسائي " { لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده } " والخلاف في هذه المسألة مشهور ، مع الاتفاق على أن النكرة في سياق النفي [ ص: 387 ] للعموم ، فالحنفية ومن تابعهم يقدرون تتميما للجملة الثانية لفظا عاما ، تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه في متعلقه . فيكون على حد قوله تعالى ( { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون } ) فيقدر : ولا ذو عهد في عهده بكافر . إذ لو قدر خاصا - وهو ولا ذو عهد في عهده بحربي - لزم التخالف بين المتعاطفين . ويكون تقديرا بلا دليل ، بخلاف ما لو قدر عاما . فإن الدليل دل عليه من المصرح به في الجملة التي قبلها . وحينئذ فيخصص العموم في الثانية بالحربي . بدليل آخر . وهو الاتفاق على أن المعاهد لا يقتل بالحربي . ويقتل بالمعاهد والذمي . قالوا : وإذا تقرر هذا وجب أن يخصص العام المذكور ، أو لا ليتساويا . فيصير : لا يقتل مسلم بكافر ، ولا ذو عهد في عهده بكافر حربي وأما أصحابنا وغيرهم : فإذا قدروا في الجملة الثانية . فإنما يقدرون خاصا . فيقولون : ولا ذو عهد في عهده بحربي ، لأن التقدير : إنما هو بما تندفع به الحاجة بلا زيادة . وفي التقدير " بحربي " كفاية . ولا يضر تخالفه مع المعطوف عليه في ذلك . إذ لا يشترط اشتراكهما في أصل الحكم ، وهو هنا : منع القتل بما ذكر . أو بما يقوم الدليل عليه ، لا في كل الأحوال : وهو قوله سبحانه وتعالى { وبعولتهن أحق بردهن } فإنه مختص بالرجعيات . وإن تقدم المطلقات بالعموم . وقيل : بالوقف لتعارض الأدلة . انتهى . ولما انتهى الكلام على العام وصيغ العموم . وكان يلحقه التخصيص ذكره عقبه فقال :

التالي السابق


الخدمات العلمية