الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن خلت بالطهارة منه امرأة فهو طهور ) . هذا المذهب بلا ريب . وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به أكثرهم . قال المجد : لا خلاف في ذلك . وعنه أنه طاهر . حكاها غير واحد . قال ابن البنا في خصاله ، وابن عبدوس في تذكرته : هو طاهر غير مطهر قال الزركشي : ولقد أبعد السامري ، حيث اقتضى كلامه الجزم بطهارته ، مع حكايته الخلاف في ذلك في طهارة الرجل به .

قلت : ليس كما قال الزركشي . وإنما قال أولا : هو طاهر ، ثم قال : وهل [ ص: 48 ] يرفع حدث الرجل ؟ على روايتين ، فحكم بأنه طاهر أولا . ثم هل يكون طهورا مع كونه طاهرا ؟ حكى الروايتين . وهذا يشبه كلام المصنف المتقدم في قوله " فهو طاهر في أصح الوجهين ، وهل يكون طهورا ؟ على وجهين " وهو كثير في كلام الأصحاب . ولا تناقض فيه ، لكونهم ذكروا أنه طاهر . ومع ذلك هل يكون طهورا ؟ حكوا الخلاف . فهو متصف بصفة الطاهرية بلا نزاع . وهل يضم إليه شيء آخر ، وهو الطهورية ؟ فيه الخلاف . قوله ( ولا يجوز للرجل الطهارة به في ظاهر المذهب ) . وكذا قال الشارح ، وابن منجا في شرحه ، وغيرهما ، وهو المذهب المعروف . وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به كثير ، منهم الخرقي ، وصاحب المذهب الأحمد . والمحرر ، والوجيز ، وابن تميم ، وابن أبي موسى ، وناظم المفردات ، والمنور ، والمنتخب ، وغيرهم ، وقدمه في الفصول ، والفروع ، والفائق ، وغيرهم . قال الزركشي : هي أشهرهما عن الإمام أحمد . وعند الخرقي وجمهور الأصحاب : لا يرفع حدث الرجل . قال في المغني ، وابن عبيدان : هي المشهورة ، قال ابن رزين : لم يجز لغيرها أن يتوضأ به ، هي أضعف الروايتين . وعنه يرفع الحدث مطلقا كاستعمالهما معا في أصح الوجهين فيه . قاله في الفروع ، اختارها ابن عقيل ، وأبو الخطاب والطوفي في شرح الخرقي ، وصاحب الفائق . وإليه ميل المجد في المنتقى ، وابن رزين في شرحه . قال في الشرح ومجمع البحرين : وهو أقيس ، وأطلقهما في المستوعب ، والخلاصة ، والرعاية الصغرى ، والحاويين . فعليها لا يكره استعماله على الصحيح . وعنه يكره . ومعناه اختيار الآجري ، وقدمه ابن تميم .

فائدة :

منع الرجل من استعمال فضل طهور المرأة تعبدي لا يعقل معناه ، نص عليه . ولذلك يباح لامرأة سواها ولها التطهر به في طهارة الحدث والخبث وغيرهما ; لأن النهي مخصوص بالرجل . وهو غير معقول . فيجب قصره على مورده . [ ص: 49 ] قوله ( وإن خلت بالطهارة ) . اعلم أن في معنى " الخلوة " روايتين ، إحداهما وهي المذهب أنها عدم المشاهدة عند استعمالها من حيث الجملة . قال الزركشي : هي المختارة ، قال في الفروع : ونزول الخلوة بالمشاهدة ، على الأصح ، وقدمه في المستوعب ، والمغني ، والشرح ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق . والرواية الثانية : معنى " الخلوة " انفرادها بالاستعمال ، سواء شوهدت أم لا ، اختارها ابن عقيل ، وقدمه ابن تميم ، ومجمع البحرين . قال في الحاوي الكبير : وهي أصح عندي ، وأطلقها في الفصول ، والحاوي الكبير ، والمذهب . وتزول الخلوة بمشاركته لها في الاستعمال بلا نزاع . قاله في الفروع . فعلى المذهب : يزول حكم الخلوة بمشاهدة مميز ، وبكافر وامرأة . فهي كخلوة النكاح على الصحيح من المذهب ، اختاره الشريف أبو جعفر ، والشيرازي ، وجزم به في المستوعب ، وقدمه في الكافي ، ونظمه ، والشرح ، والنظم . وألحق السامري المجنون بالصبي المميز ونحوه ، قال في الرعاية الكبرى : وهو خطأ ، على ما يأتي . وقيل : لا تزول الخلوة إلا بمشاهدة مكلف مسلم ، اختاره القاضي في المجرد . وقدمه في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . وأطلقهما في المغني ، والحاوي الكبير ، وابن تميم ، وابن عبيدان ، والزركشي ، والفائق ، والفروع . وقيل : لا تزول الخلوة إلا بمشاهدة رجل مسلم حر ، قدمه في الرعاية الكبرى فقال : ولم يرها ذكر مسلم مكلف حر . وقيل : أو عبد . وقيل : أو مميز . وقيل : أو مجنون . وهو خطأ . وقيل : إن شاهد طهارتها منه أنثى أو كافر فوجهان . انتهى

تنبيهات

الأول : " قوله بالطهارة " يشمل طهارة الحدث والخبث . أما الحدث : فواضح وأما خلوتها به لإزالة نجاسة ، فالصحيح من المذهب : أنه ليس كالحدث . فلا تؤثر [ ص: 50 ] خلوتها فيه . قال ابن حامد : فيه وجهان ، أظهرهما ، جواز الوضوء به . واقتصر عليه في الشرح . وقدمه في الفروع ، وقطع به ابن عبدوس المتقدم . وقيل : حكمه حكم الحدث .

اختاره القاضي . قال المجد : وهو الصحيح ، قال في مجمع البحرين : ولا يختص المنع بطهارة الحدث في الأصح . ، وقدمه في الحاوي الكبير . وقال : إنه الأصح . وأطلقهما في المغني ، والنظم ، والرعايتين ، وابن تميم ، وابن عبيدان ، والفائق ، والحاوي الصغير . وأطلقهما في الشرح في الاستنجاء . واقتصر على كلام ابن حامد في غيره .

الثاني : شمل قوله " بالطهارة " الطهارة الواجبة والمستحبة ، وهو ظاهر المحرر ، والوجيز ، والحاوي الكبير ، وغيرهم . وجزم به في الفصول ، وقدمه ابن رزين . وقيل : لا تأثير لخلوتها في طهارة مستحبة ، كالتجديد ونحوه ، وهو الصحيح ، قدمه في الفروع . وأطلقهما في المغني ، والشرح ، وابن تميم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، وابن عبيدان ، والزركشي ، والفائق ، وغيرهم .

الثالث : ظاهر قوله " بالطهارة " الطهارة الكاملة . فلا تؤثر خلوتها في بعض الطهارة ، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ، وهو المذهب ، وقدمه في الفروع . وقيل : خلوتها في بعض الطهارة كخلوتها في جميعها . ، اختاره ابن رزين في شرحه ، وقدمه في الفصول . ويحتمله كلام المصنف هنا . وأطلقهما في المغني ، والشرح ، والرعاية الكبرى ، وابن تميم ، وابن عبيدان . الرابع : مفهوم قوله " بالطهارة " أنها لو خلت به للشرب : أنه لا يؤثر ، وهو صحيح ، وهو المذهب . وعليه الأصحاب : ولا يكره ، على الصحيح من المذهب اختاره المجد وغيره . ، وقدمه في الرعاية الكبرى ، وشرح ابن عبيدان ، وهو ظاهر ما قدمه في الفروع . وعنه يكره . وأطلقهما الزركشي . وعنه حكمه حكم الخالية به للطهارة . [ ص: 51 ]

الخامس : مراده بقوله " بالطهارة " الطهارة الشرعية ، فلا تؤثر خلوتها به في التنظيف . قاله ابن تميم . ولا غسلها ثوب الرجل ونحوه . قاله في الرعاية الكبرى . قال : ولم يكره .

السادس : مفهوم قوله " منه " يعني من الماء : أنها إذا خلت بالتراب للتيمم : أنها لا تؤثر ، وهو صحيح ، وهو ظاهر كلام غيره . وفيه احتمال : أن حكمه حكم الماء . وأطلقهما في الرعاية الكبرى . السابع : مفهوم قوله " امرأة " أن الرجل إذا خلا به لا تؤثر خلوته منعا ، وهو صحيح ، وهو المذهب . وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به كثير منهم . ونقله الجماعة عن أحمد . وحكاه القاضي وغيره إجماعا . وذكر ابن الزاغوني عن الأصحاب وجها بمنع النساء من ذلك . قال في الرعاية : وهو بعيد . وأطلقهما ناظم المفردات . وقال في الفائق : ولا يمنع خلوة الرجل بالماء الرجل . وقيل : بلى . ذكره ابن الزاغوني . قلت : في صحة هذا الوجه الذي ذكره في الفائق عنه نظر .

وعلى تقدير صحة نقله : فهو ضعيف جدا ، لا يلتفت إليه ، ولا يعرج عليه . ولا على الذي قبله ، وهو مخالف للإجماع .

الثامن : ظاهر قوله " امرأة " أن خلوة المميزة : لا تأثير لها ، وهو صحيح ، وهو ظاهر كلامه في المحرر ، والوجيز ، وابن تميم ، وغيرهم ، وهو المذهب ، وهو ظاهر ما جزم به في الرعاية الكبرى . فإنه قال " مكلفة " وقدمه في الفروع . وقيل : خلوة المميزة كالمكلفة ، وهو ظاهر ما جزم به في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير . فإنهما قالا : أو رفعت به مسلمة حدثا .

التاسع : شمل قوله " امرأة " المسلمة والكافرة .

وهو ظاهر كلامه في الفروع والمحرر ، والوجيز ، والحاوي الكبير ، وغيرهم . فإنهم قالوا " امرأة " وهو أحد [ ص: 52 ] الوجهين ، وقدمه ابن رزين في شرحه . وقيل : لا تأثير لخلوة غير المسلمة ، وهو ظاهر الرعايتين ، والحاوي الصغير . فإنهما قالا " مسلمة " ، قلت : وهو بعيد . وأطلقهما في المغني ، والشرح ، والزركشي . وأطلقهما ابن تميم في خلوة الذمية للحيض . وذكر في الفصول ومن بعده : احتمالا بالفرق بين الحيض والنفاس ، وبين الغسل . فتؤثر خلوة الذمية للحيض والنفاس ، دون الغسل ; لأن الغسل لم يفد إباحة شيء .

العاشر : مفهوم قوله " امرأة " أنه لا تأثير لخلوة الخنثى المشكل به ، وهو صحيح . وهو المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به أكثرهم ، منهم ابن عقيل في الفصول ، والمجد في شرح الهداية ، وابن تميم ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير ، وابن عبيدان ، والزركشي ، وقدمه في الفروع ، والرعاية الكبرى ، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب . وقيل الخنثى في الخلوة كالمرأة ، اختاره ابن عقيل .

الحادي عشر : مفهوم قوله " ولا يجوز للرجل الطهارة به " أنه يجوز للصبي الطهارة به ، وهو صحيح ، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب ، وهو المذهب ، قدمه في الفروع . وقيل : حكمه حكم الرجل .

قال في الرعاية الكبرى : هل يلحق الصبي بالمرأة ، أو بالرجل ؟ يحتمل وجهين ، الثاني عشر : مفهوم قوله " ولا يجوز للرجل الطهارة به " أنه يجوز الطهارة به للخنثى المشكل ، وهو مفهوم كلام كثير من الأصحاب ، واختاره ابن عقيل ، وجزم به الزركشي ، والصحيح من المذهب : أن الخنثى المشكل كالرجل . ، جزم به في الرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير ، والمنور ، وقدمه في الفروع . وقال في الرعاية الكبرى : هل يلحق الخنثى المشكل بالرجل ؟ يحتمل وجهين .

الثالث عشر : عموم قوله " الطهارة " يشمل الحدث والخبث . أما الحدث : [ ص: 53 ] فواضح وأما الخبث : فالصحيح من المذهب : أنه ليس كالحدث . فيجوز للرجل غسل النجاسة به وهو المذهب ، اختاره ابن أبي موسى ، والمصنف . قال ابن عبيدان : وهو الصحيح ، وقدمه في الفروع ، والمحرر ، والرعاية الكبرى ، والشرح ، وابن رزين في شرحه ، وابن خطيب السلامية في تعليقه . وقيل : يمنع منه كطهارة الحدث ، اختاره القاضي ، والمجد [ وابن عبد القوي في مجمع البحرين ] وحكاه الشيرازي عن الأصحاب ، غير ابن أبي موسى . قال ابن رزين : هذا القول أصح ، وقدمه في الحاوي الكبير . قال في الرعاية الكبرى : وهو بعيد .

أطلقهما في المستوعب ، وابن تميم ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير ، وابن عبيدان .

الرابع عشر : مفهوم قوله " ولا يجوز للرجل الطهارة به " أنه يجوز لامرأة أخرى الطهارة به .

وهو المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب ، وجزم به في الفصول والزركشي . وصححه في الفروع ، وابن رزين ، وابن عبيدان ، وقدمه ابن منجا في شرحه . وهو ظاهر كلامه في المحرر ، والوجيز . وقيل : هي كالرجل في ذلك ، وقدمه في الفائق . فقال " طهور . ولا يستعمل في الحدث " وأطلقهما في الرعايتين ، والحاوي الصغير ، وابن تميم ، والمستوعب ، وناظم المفردات .

الخامس عشر : فعلى المذهب هنا وفي كل مسألة قلنا يجوز الطهارة به محله : على القول بأنه طهور أو طاهر . أما إن قلنا " إنه طاهر " فلا يجوز الطهارة به . وصرح به في الحاوي الصغير وغيره . وهذا الذي ينبغي أن يقطع به . وقال في الرعاية الصغرى : وإن توضأ الرجل فروايتان . وقيل مع طهوريته فظاهره : أن المقدم سواء قلنا : إنه طهور أو طاهر . وقال في الرعاية الكبرى : ولها التطهير به يعني الخالية به ثم قال : قلت : إن بقي طهورا . وإلا فلا .

وفي جواز تطهر امرأة أخرى به إذن : وجهان . وفي جواز تطهير الرجل به إذن : روايتان وقيل : بل مطلقا . وقيل إن قلنا : هو طهور جاز . وإلا فلا . انتهى . فحكي خلافا في جواز مع القول بأنه طاهر . [ ص: 54 ]

والذي يظهر : أن هذا ضعيف جدا ، السادس عشر : مفهوم كلامه : أنه يجوز للمرأة الخالية به الطهارة به ، وهو الصحيح من المذهب ، قطع به كثير من الأصحاب . وقال في الرعاية الكبرى : ولها التطهر به . ثم قال قلت : إن بقي طهورا كما تقدم . وقال في الحاوي الصغير : ولها التطهر به في ظاهر المذهب . فدل أن في باطنه قولا : لا يجوز لها ذلك ، قلت : هو قول ساقط . فإنه يفضي إلى أن المرأة لا تصح لها طهارة ألبتة في بعض الصور ، وهو مخالف لإجماع المسلمين .

السابع عشر : كلام المصنف مقيد بما إذا كان الماء الخالية به دون القلتين . وهو الواقع في الغالب : أما إن كان قلتين فأكثر ، فالصحيح من المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب : أن الخلوة لا تؤثر فيه منعا ، وقطع به كثير منهم .

وقال ابن عقيل : الكثير كالقليل في ذلك . قال المجد في شرحه ، وتبعه في الحاوي الكبير : هذا بعيد جدا . قال في الرعاية : وهو بعيد . وأطلقهما ناظم المفردات .

التالي السابق


الخدمات العلمية