الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر ، له غبار يعلق باليد ) هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به كثير منهم . وعنه يجوز بالسبخة أيضا . وعنه بالرمل أيضا ، واختاره الشيخ تقي الدين . وقيد القاضي وغيره جواز التيمم بالرمل والسبخة : بأن يكون له غبار ، وإلا فلا يجوز ، رواية واحدة . وقال صاحب النهاية : يجوز التيمم بالرمل مطلقا . نقلها عنه أكثر الأصحاب . ذكره ابن عبيدان . وعنه يجوز التيمم بهما عند العدم ، واختاره ابن عبدوس في تذكرته . وعنه يجوز التيمم أيضا بالنورة والجص . نقلها ابن عقيل . وقيل : يجوز بما تصاعد على الأرض لا بعدم على الأصح ، قال ابن أبي موسى : يتيمم عند عدم التراب بكل طاهر تصاعد على وجه الأرض ، مثل الرمل ، والسبخة ، والنورة ، والكحل ، وما في معنى ذلك . ويصلي . وهل يعيد ؟ على روايتين ، واختار الشيخ تقي الدين : جواز التيمم بغير التراب من أجزاء الأرض إذا لم يجد ترابا وهو رواية عن أحمد .

تنبيه : مراده بقوله " بتراب طاهر " التراب الطهور ، ومراده . غير التراب المحترق . فإن كان محترقا لم يصح التيمم به على الصحيح من المذهب . وقيل : يجوز .

تنبيه : شمل قوله " بتراب " لو ضرب على يد أو على ثوب ، أو بساط ، أو حصير ، أو حائط ، أو صخرة ، أو حيوان ، أو برذعة حمار ، أو شجر ، أو خشب ، [ ص: 285 ] أو عدل ، أو شعر ، ونحوه : مما عليه غبار طهور يعلق بيده ، وهو صحيح ، قاله الأصحاب . فوائد منها : أعجب الإمام أحمد حمل التراب لأجل التيمم . وعنه الشيخ تقي الدين وغيره : لا يحمله ، قال في الفروع : وهو أظهر ، قلت : وهو الصواب ، إذ لم ينقل عن الصحابة ولا غيرهم من السلف فعل ذلك مع كثرة أسفارهم . ومنها : لا يجوز التيمم بالطين . قال القاضي : بلا خلاف . انتهى .

لكن إن أمكنه تجفيفه والتيمم به قبل خروج الوقت لزمه ذلك . ولا يلزمه إن خرج الوقت على الصحيح من المذهب . وقيل : يلزمه وإن خرج الوقت ، وهو احتمال في المغني . ومنها : لو وجد ثلجا ولم يمكن تذويبه ، لزمه مسح أعضائه به على الصحيح من المذهب ، نص عليه . وقيل : لا يلزمه . قال القاضي : مسح الأعضاء بالثلج مستحب غير واجب ، وقدمه في الرعاية الكبرى ، وإن كان يجري إذا مس يده : وجب ، ولا إعادة . ونقل المروذي : لا يتيمم بالثلج . فعلى المذهب : في الإعادة روايتان . وأطلقهما في الفروع . إحداهما . يلزمه ، قدمه ابن عبيدان في الرعاية الكبرى ، وابن تميم . والثانية : لا يلزمه . ومنها : لو نحت الحجارة كالمكدن ، والمرمر ونحوهما ، حتى صار ترابا : لم يجز التيمم به ، وإن دق الطين الصلب ، كالأرمني : جاز التيمم به ; لأنه تراب . وقال في الرعاية الكبرى : ويصح في الأشهر بتراب طين يابس خراساني ، أو أرمني ، ونحوهما . وقيل : مأكول قبل طبخه . وقيل : وبعده . وفيه بعد . انتهى .

[ ص: 286 ] قوله ( وإن خالطه ذو غبار ، لا يجوز التيمم به ، كالجص ونحوه ، فهو كالماء إذا خالطته الطاهرات ) ، هذا المذهب . وعليه الجمهور ، منهم القاضي ، وأبو الخطاب ، وغيرهما ، وجزم به في النهاية ، والمستوعب ، والخلاصة ، والتلخيص ، والوجيز ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير وغيرهم ، وقدمه في الفروع ، والرعاية الكبرى ، ومجمع البحرين . وقيل : لا يجوز التيمم به إذا خالطه غيره مطلقا ، اختاره ابن عقيل ، والمجد في شرحه . قال ابن تميم ، وابن حمدان : وهو أقيس ، وصححه في مجمع البحرين . وأطلقهما الزركشي ، والمذهب . وقيل : يجوز ، ولو خالطه غيره مطلقا . ذكره في الرعاية .

فائدة : لا يجوز التيمم من تراب مقبرة تكرر نبشها . فإن لم يتكرر جاز على الصحيح من المذهب ، قطع به المصنف ، والمجد ، والشارح ، وغيرهم . وقيل : لا يصح . وقيل : يجوز ولو خالطه غيره مطلقا .

تنبيه : قوله ( فهو كالماء ) اعلم أن التراب كالماء في مسائل : منها : ما تقدم . ومنها : لا يجوز التيمم بتراب مغصوب . قاله الأصحاب . قال في الفروع : وظاهره ولو بتراب مسجد ، ثم قال : ولعله غير مراد . [ وقال في باب صفة الحج والعمرة في " فصل ، ثم يدفع بعد الغروب إلى مزدلفة " وفي الفصول : إن رمى بحصى المسعى : كره وأجزأ ; لأن الشرع نهى عن إخراج ترابه . فدل أنه لو لم يصح أجزأ ، وأنه يلزم من منعه المنع ] . ومنها : لا يجوز التيمم بتراب قد تيمم به ; لأنه صار مستعملا كالماء . وهذا الصحيح في المذهب . وقيل : يجوز التيمم به مرة ثانية كما لو لم يتيمم منه على أصح الوجهين فيه .

فائدة : لا يكره التيمم بتراب زمزم مع أنه مسجد . قاله في الفروع . والرعاية .

التالي السابق


الخدمات العلمية