الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 265 ] فصل : فإذا ثبت جواز الحجر بالفلس فلا يجوز للحاكم أن يبتدئه من غير سؤال الغرماء ، فإذا سألوه الحجر عليه بدين لهم لم يجز أن يوقع الحجر عليه إلا بعد ثبوت ديونهم ، وثبوتها بأحد وجهين : إما بإقراره ، وإما بقيام البينة عليه عند إنكاره ، فإذا ثبت ديون الغرماء وجب على الحاكم أن ينظر قدر ماله فإنه لا يخلو من أن يعجز عن دينه أو يكون فيه وفاء بدينه ، فإن عجز ماله عن ديونه وجب على الحاكم أن يحجر عليه في ماله ؛ سواء سأله جميع الغرماء أو بعضهم : لأن في تركه متصرفا في ماله إضاعة لديونهم وإبطالا لحقوقهم ، وأنه ربما عجل قضاء بعضهم وترك ديون الباقين تالفة فكان الحجر عليه أولى ليمتنع من التبذير ويصل جميع الغرماء إلى حقوقهم بالسواء ، وإن كان ماله يفي بديونه أو يزيد عليها لم يخل حاله من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن تظهر منه إمارات الإفلاس أو لا يظهر ، فإن لم يظهر منه إمارات الإفلاس - بل كان ماله يفي بديونه ويكتسب قدر نفقته ولم يكن مبذرا لماله - لم يجز الحجر عليه ؛ بل يأخذه الحاكم بقضاء ديونه ، فإن أبى حبسه بها إن سأل أربابها ، وإن ظهرت عليه إمارات الفلس وذلك يكون في أحد وجهين :

                                                                                                                                            إما من عجز عن كسبه عن قدر حاجته ، وإما من تبذيره وإسرافه في نفقته ، فهل يستحق الحجر عليه أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يحجر عليه الحاكم في ماله : لأن في تركه متصرفا فيه إضاعة له وإبطالا لحقوق غرمائه ، ويستدل قائل هذا الوجه لذلك من مذهب الشافعي بقوله في اختلاف المتبايعين : إذا قال كل واحد منهما : لا أدفع حتى أقبض أنه يجبر البائع على تسليم السلعة ويجبر المشتري على دفع الثمن ، فإن كان ماله غائبا حجر عليه في السلعة وفي جميع ماله ، فقد أوقع الشافعي الحجر على من كان ماله يفي بدينه ويزيد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا يجوز أن يحجر عليه لقدرته على أداء دينه ، ولأن في إيقاع الحجر عليه تعجيل الحكم لعلة مظنونة غير متحققة ، وذلك غير جائز ، وما يخالف من تبذير ماله قد يمكن الاحتراز منه بأن يؤخذ بتعجيل القضاء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية