الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو طلق فقيل له ما فعلت فقال هي طالق فإن لم ينو إخباره ) أي ولا إنشاء طلاق ( ففي لزوم طلقة ) حملا على الإخبار ( أو اثنتين ) حملا على الإنشاء ( قولان ) محلهما في القضاء والطلاق رجعي لم تنقض عدته وإلا لم يلزمه إلا الأولى فقط اتفاقا ، ولو قال المصنف ففي لزوم ثانية قولان لكان أخصر وأدل على المراد ولما كان حكم تجزؤ الطلاق أن يكمل أشار له بقوله ( و ) لزم ( في نصف طلقة ) مثلا ولو قال جزء لكان أشمل ( أو ) نصف ( طلقتين ) طلقة واحدة ( أو نصفي طلقة ) [ ص: 386 ] ( أو نصف وثلث طلقة أو ) طالق ( واحدة في واحدة ) وكان يعرف الحساب وإلا فاثنتان ( أو ) علق بأداة لا تقتضي التكرار نحو إذا ما أو ( متى ما فعلت ) كذا فأنت طالق ( وكرر ) الفعل المرة بعد الأخرى ( أو طالق أبدا طلقة ) واحدة في الجميع والراجح في الأخير لزوم الثلاث ; لأن التأبيد ظاهر فيها ( و ) لزم ( اثنتان في ربع طلقة ونصف طلقة ) أو ربع طلقة وربع طلقة لإضافة طلقة صريحة إلى كل كسر فكل من الكسرين أخذ مميزه فاستقبل بخلاف قوله نصف وثلث طلقة فواحدة كما قدمه ( و ) اثنتان في ( واحدة في اثنتين ) إن عرف الحساب وإلا فثلاث ( و ) اثنتان في أنت طالق ( الطلاق كله إلا نصفه ) ; لأن الباقي بعد الاستثناء طلقة ونصف يلزمه اثنتان بالتكميل ( و ) اثنتان في ( أنت طالق إن تزوجتك ثم قال كل من أتزوجها من هذه القرية ) مشيرا إلى قريتها ( فهي طالق ) ثم تزوجها واحدة بالخصوص والأخرى باندراجها في عموم القرية ( و ) لزم ( ثلاث في ) قوله أنت طالق الطلاق ( إلا نصف طلقة أو ) في أنت طالق ( اثنتين في اثنتين ) عرف الحساب أو لم يعرف وهو ظاهر ( أو ) أنت طالق ( كلما حضت ) أو كلما جاء يوم حيضك أو شهره فيقع عليه الثلاث من الآن ; لأنه محتمل غالب وقصده التكثير كطالق مائة مرة ولا ينتظر بوقوعه حيضها [ ص: 387 ] وهذا فيمن تحيض أو يتوقع حيضها كصغيرة وأما الآيسة ومن شأنها عدم الحيض وهي شابة فلا شيء عليه ( أو ) قال ( كلما ) طلقتك فأنت طالق ( أو متى ما ) طلقتك ( أو إذا ما طلقتك أو وقع عليك طلاقي فأنت طالق وطلقها واحدة ) في الصور الأربع لزمه ثلاث ; لأن فاعل السبب فاعل المسبب فيلزمه من وقوع الأولى وقوع الثانية ومن وقوع الثانية وقوع الثالثة بمقتضى التعليق ( أو ) قال ( إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا ) وطلقها واحدة لزمه ثلاث ويلغى قوله قبله كقوله أنت طالق أمس فإن لم يطلقها فلا شيء عليه ( و ) تلزم ( طلقة ) واحدة ( في ) كل واحدة من ( أربع ) من الزوجات ( قال لهن بينكن طلقة ) أو طلقتان أو ثلاث أو أربع طلقات ( ما لم يزد العدد ) ( على ) الطلقة ( الرابعة ) .

فإن قال : بينكن خمس إلى ثمانية طلقت كل واحدة اثنتين وإن قال بينكن تسع فأكثر طلقت كل واحدة ثلاثا قال ( سحنون ) الإفريقي الإمام الجليل مدون المدونة عن إمامه ابن القاسم والأشهر فتح سينه عند الفقهاء واسمه عبد السلام ( وإن ) ( شرك ) الأربع في ثلاث بأن قال شركت بينكن في ثلاث تطليقات ( طلقن ثلاثا ثلاثا ) قيل إنه خلاف الأول وعليه فالمعول عليه الأول فلا فرق عند ابن القاسم بين بينكن ثلاث وشركتكن في ثلاث فلكل واحدة طلقة [ ص: 388 ] وقيل بل هو تقييد له وكأنه قال وطلقة في أربع قال لهن بينكن ما لم يشرك فإن شرك طلقن ثلاثا ومسألة التشريك الآتية تدل على أنه مقابل وإلا لزم الثانية ثلاثا كالطرفين

التالي السابق


( قوله ولو طلق ) أي زوجته المدخول بها طلقة رجعية ولم ينقض عدتها فقيل له إلخ فلو كانت غير مدخول بها أو كان الطلاق بائنا بأن كان على وجه الخلع أو كان رجعيا وانقضت العدة أو قال مطلقة أو طلقتها فلا تلزمه إلا الطلقة الأولى اتفاقا فمحل الخلاف مقيد بقيود خمسة أن تكون الزوجة مدخولا بها وأن يكون الطلاق رجعيا ولم تنقض عدتها ، وأن يأتي بلفظ يحتمل الإخبار والإنشاء كمثال المصنف وأن يكون في القضاء وأما دعواه أنه لم يرد إخبارا ولا إنشاء فهو موضوع المسألة ( قوله ، فإن لم ينو إخباره ) أي ، فإن ادعى أنه لم ينو إخباره ولا إنشاء طلاق ففي لزوم طلقة أي وأما إن نوى إخباره فاللازم طلقة واحدة اتفاقا وإن نوى إنشاء الطلاق فيلزمه طلقتان اتفاقا فالمسألة ذات أطراف ثلاثة .

( قوله حملا على الإخبار ) أي حملا للفظه على الإخبار وكذا يقال فيما بعده ( قوله قولان ) أي للمتأخرين الأول للخمي وهو الأقرب كما في المج والثاني لعياض وهو ظاهر المدونة كما في ح عن الرجراجي وبهذا تعلم أن المحل هنا للتردد ا هـ بن ثم إنه على القول الأول من لزوم واحدة يحلف أنه لم يرد إنشاء طلقة ثانية حيث كان له فيها طلقة وأراد رجعتها وهو الراجح من أقوال ذكرها ح ، وقيل : يلزمه اليمين مطلقا أراد رجعتها أم لا ، وقيل : لا يلزمه يمين مطلقا ، فإن لم يتقدم له فيها طلاق فلا يلزمه يمين ; لأنه يملك الرجعة على القولين ( قوله ولزم في نصف طلقة ) أشار الشارح إلى أن قول المصنف ونصف طلقة عطف على الإشارة وأن الباء بمعنى في أي [ ص: 386 ] ولزم في الإشارة وفي نصف طلقة .

( قوله أو نصف وثلث طلقة ) محل كونه يلزمه طلقة إذا عطف كسرا على كسر ما لم يزد مجموع الجزأين على طلقة فإذا قال نصف وثلثا طلقة بتثنية ثلث لزمه طلقتان ; لأن الأجزاء المذكورة تزيد على طلقة وفي الجواهر لو قال ثلاثة أنصاف طلقة أو أربعة أثلاث طلقة وقعت اثنتان لزيادة الأجزاء على الواحدة نقله طفي وتنظير التوضيح في ذلك قصور ا هـ بن ( قوله نحو إذا ما إلخ ) فإذا قال : إذا ما دخلت الدار أو متى ما كلمت زيدا فأنت طالق وفعلت المحلوف عليه المرة بعد المرة فلا يلزمه إلا طلقة ، وأما إذا علق الطلاق بلفظ يقتضي التكرار ككلما فإنه يتكرر لزوم الطلاق بتكرر الفعل ومحل عدم تكرار الطلاق في متى ما وإذا ما إذا لم يقصد بهما معنى كلما وإلا تعدد الطلاق بتعدد فعل المحلوف عليه .

واعلم أن مهما تقتضي التكرار بمنزلة كلما كما في المواق ( قوله وكرر الفعل ) أي وليس المراد وكرر اللفظ ; لأن تكرار اللفظ ونية التأكيد أو عدمه قد تقدم آنفا عند قوله في غير معلق بمتعدد فلا حاجة لإدخاله هنا فقول عبق وكرر اللفظ أو الفعل فيه نظر بل الصواب قصره على تكرر الفعل كما قاله الشارح لما علمت ثم إن قول المصنف وكرر نص على المتوهم إذ لو قال متى ما فعلت كذا فأنت طالق وفعلته مرة فإنه يلزمه طلقة .

( قوله أو طالق أبدا ) أي أو إلى يوم القيامة وإنما لزمت الواحدة ; لأن المعنى أنت طالق ويستمر طلاقك أبدا أو إلى يوم القيامة وهو إذا طلقها ولو يراجعها استمر طلاقها أبدا أي استمر أثر طلاقها وهو مفارقتها أبدا أو إلى يوم القيامة ( قوله والراجح في الأخير لزوم الثلاث ) أي كما هو ظاهرها عند ابن الحاج وجزم به ابن رشد وما ذكره المصنف من لزوم الواحدة فهو ظاهرها عند ابن يونس ( قوله لإضافة طلقة صريحة إلخ ) في العبارة قلب وصوابها لإضافة كل كسر صريحا إلى طلقة أي إن كل جزء من الربع والنصف المذكورين مضاف إلى طلقة غير التي أضيف إليها الآخر فكل منهما أخذ مميزه فاستقل ، ولأن النكرة إذا ذكرت ثم أعيدت بلفظ النكرة كانت الثانية غير الأولى .

( قوله والطلاق كله إلا نصفه ) مثله إلا نصفا بالتنوين ; لأن المتبادر نصف ما سبق ، وكذلك مثله أنت طالق ثلاثا إلا نصفها ، وأما لو قال لها أنت طالق ثلاثا إلا نصف الطلاق فإنه يلزمه الثلاث ومثله أنت طالق الطلاق كله إلا نصف الطلاق ففرق بين أن يقول إلا نصفه وبين قوله إلا نصف الطلاق ; لأن الطلاق المبهم الواقع في المستثنى واحدة واستثناؤه لا يفيد فكأنه قال إلا نصف طلقة فالباقي بعد الاستثناء طلقتان ونصف طلقة فتكمل عليه .

والحاصل أنه إن أضاف النصف للضمير لزمه اثنتان وإن أضافه للطلاق لزمه ثلاث .

( قوله واثنتان في أنت طالق إن تزوجتك إلخ ) وأما عكس كلام المؤلف وهو كل امرأة أتزوجها من بلد كذا فهي طالق ثم قال لامرأة من تلك البلد إن تزوجتك فأنت طالق فإنه يلزمه طلقة واحدة إن تزوجها على ما استصوبه شيخ ابن ناجي العلامة البرزلي عكس ما ارتضاه ابن ناجي من لزوم طلقتين ووجه كلام البرزلي إن ذكرها بالخصوص بعد دخولها في عموم أهل القرية لم يزدها شيئا فحمل على التأكيد بخلاف مسألة المصنف فقد علق فيها مرة بالخصوص ثم مرة بالعموم والعام بعد الخاص فيه تأسيس في الجملة فطرد التأسيس في جميع مدلوله ووجه ما قاله ابن ناجي إن الشيء مع غيره غيره في نفسه وقد اعتمد الأشياخ كلام البرزلي ولكن الظاهر المعتمد كلام ابن ناجي كما قال شيخنا العدوي .

( قوله واحدة بالخصوص ) بدل من قوله واثنتان في أنت طالق إلخ ( قوله ولزم ثلاث في قوله أنت طالق الطلاق إلا نصف طلقة ) أي ; لأن الباقي بعد الاستثناء طلقتان ونصف فيكمل ذلك النصف وإنما كان الباقي بعد الاستثناء ما ذكر ; لأن المراد بالطلاق الثلاث وقد أخرج منه نصف طلقة ووجهه أنه لما استثنى نصف الطلقة علم أن الغرض بالطلاق غير الشرعي وإلا كان يقول إلا نصفه ولو قال ذلك لزمه طلقة واحدة ; لأن الاستثناء مستغرق ( قوله ; لأنه محتمل غالب ) أي ; لأن المعلق عليه الطلاق محتمل غالب [ ص: 387 ] أي وسيأتي أنه إذا علق الطلاق على محتمل غالب فإنه ينجز ، وقوله وقصده التكثير أي فلذا كان المنجز ثلاثا لا أقل .

( قوله وهذا فيمن تحيض أو يتوقع حيضها إلخ ) هذا نحو ما لابن عرفة عن النوادر معترضا به على ابن عبد السلام حيث قال هذا في غير اليائسة أي من تحيض بالفعل والصغيرة وأما اليائسة والصغيرة يقول لإحداهما إذا حضت فلا خلاف أنها لا تطلق عليه حتى ترى دم الحيض ( قوله وهي شابة ) أي في سن من تحيض ، وقوله : فلا شيء عليه أي لا يلزمه بقوله المذكور طلاق وإن طرق الدم الشابة التي لا تحيض بعد ذلك وقال النساء إنه حيض طلقت حينئذ ( قوله أو كلما طلقتك إلخ ) أما لو قال لها : أنت طالق كلما حليتي حرمتي نظر لقصده فإن كان مراده كلما حليتي لي بعد زوج حرمتي تأبد تحريمها ، وإن أراد كلما حليتي لي بالرجعة في هذه العصمة بعد الطلاق الرجعي حرمتي حلت له بعد زوج ، فإن لم يكن له قصد نظر لعرفهم ، فإن لم يكن نظر للبساط ، فإن لم يكن له نية ولا بساط حمل على المعنى المقتضي للتأبيد احتياطا ، ومثل ذلك إذا قال لها : أنت طالق كلما حلك شيخ حرمك شيخ وأما لو قال أنت طالق ثلاثا كلما حليتي حرمتي ، فإن أراد أن حلية الزوج الثاني بعد هذه العصمة لا تحلها فإنها تحل له بعد زوج ; لأن إرادته ذلك باطلة شرعا ; لأن الله أحلها بعده وإن أراد أنها إن حلت له بعد زوج وتزوجها فهي حرام عليه تأبد تحريمها .

( قوله أو متى ما أو إذا ما ) جعلهما من أدوات التكرار ضعيف والحق أنهما لا يدلان على التكرار كما مر وحينئذ فلا يلزمه فيهما إلا اثنتان ولا تلزمه الثالثة ، كما أن من قال : إن طلقتك فأنت طالق فإنه إذا طلقها واحدة يلزمه اثنتان ; لأن إن لا تقتضي التكرار ومثلها متى ما وإذا ما ، هذا ما قالوه وإن كان المناطقة جعلوا إن ولو للإهمال وإذا ما ومتى ما للسور الكلي ا هـ شيخنا عدوي ( قوله ; لأن فاعل السبب ) أي الذي هو الطلقة الأولى والمراد بالمسبب الطلقة الثانية وإذا كان فاعل السبب فاعل المسبب آل الأمر إلى أن الطلقة الثانية فعله فتجعل سببا للثالثة بمقتضى أداة التكرار .

والحاصل أن الثانية لما وقعت مما هو فعله وهي الأولى صارت تلك الثانية فعله أيضا وقد علق الطلاق على فعله فتلزم الثالثة بالثانية .

( قوله ويلغى قوله قبله ) ; لأن الزوجة متصفة بالحل إلى زمان حصول المعلق عليه وفي زمان حصوله قد مضى الزمان المعبر عنه بقبله والماضي لا ترتفع الحلية فيه وحينئذ فالثلاث تلزم بعد مضيه ، وقال ابن سريج من أئمة الشافعية : إذا قال : إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا لا يلزمه شيء أصلا ولا يلحقه فيه طلاق للدور الحكمي ; لأنه متى طلقها وقع الطلاق قبله ثلاثا ومتى وقع قبله الطلاق ثلاثا كان طلاقه الصادر منه لم يصادف محلا .

والحاصل أن الطلاق الصادر منه لزومه يؤدي لإلغائه وكل ما أدى ثبوته لنفيه كان منتفيا قال العز بن عبد السلام : وتقليد ابن سريج في هذه المسألة ضلال مبين .

( قوله كقوله أنت طالق أمس ) أي كما يلغى الأمس في قوله ذلك لأجل لزوم الطلاق ; لأنه لو لم يلغ لم يلزمه شيء لمضي زمن الطلاق ( قوله واسمه عبد السلام ) أي واسم أبيه سعيد وكان شاميا من حمص ولقب هو بسحنون ; لأنه اسم للريح الهابة أو لطير سريع الطيران فلقوة ذهنه وسرعة فهمه لقب بذلك ( قوله بأن قال : شركت بينكن في ثلاث تطليقات إلخ ) أي وإن قال : شركت بينكن في طلقة فإن كل واحدة تطلق عليه طلقة وإن قال : شركت بينكن في طلقتين طلقت كل واحدة منهن طلقتين ( قوله طلقن ) بفتح اللام وثلاثا حال أو مفعول مطلق وثلاثا الثاني على تقدير مضاف أي بعد ثلاث ووجه لزوم الثلاث إذا شركهن في ثلاث تطليقات أنه ألزم نفسه ما نطق به من الشركة وذلك يوجب لكل واحدة منهن جزءا من كل طلقة وكل جزء من طلقة يكمل واحدة ( قوله فلكل واحدة طلقة ) أي وأما سحنون فيقول إن [ ص: 388 ] قال : بينكن فلكل واحدة طلقة وإن قال : شركتكن فلكل واحدة ثلاث ( قوله وقيل بل هو ) أي كلام سحنون تقييد للأول أي لما قاله ابن القاسم




الخدمات العلمية