الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وهل يشرط التراب ؟ على وجهين ) وهما في الفروع وغيره روايتان . وقاله ابن أبي موسى . يعني على الرواية الأولى ذكرها أبو بكر ومن تابعه ، أعني الوجهين . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والكافي ، والمغني ، والتلخيص ، والبلغة ، والمحرر ، والنظم ، وابن تميم ، والرعايتين ، والحاويين ، والفائق ، وابن عبيدان ، والزركشي ، وشرح ابن منجا ، والفروع . أحدهما : يشترط التراب ، وهو المذهب ، اختاره الخرقي ، والمصنف ، والشارح ، وقدمه ابن رزين في شرحه . والوجه الثاني : لا يشترط ، اختاره المجد في شرحه . قال في مجمع البحرين : لا يشترط بالتراب في أصح الوجهان . وصححه في تصحيح المحرر . قال الشيخ تقي الدين : هذا المشهور . تنبيهان

أحدهما : ظاهر كلام المصنف : عدم اشتراط التراب ، قولا واحدا ، على الرواية الثانية . وهي وجوب الغسل ثلاثا ، وهو صحيح : وهو المذهب . وعليه الجمهور . وفيه وجه آخر : أن حكم التراب في الغسل ثلاثا حكمه في الغسل سبعا . وأطلقهما في التلخيص والبلغة ، وابن تميم ، والرعاية الكبرى . وصرح بأن الخلاف حيث قلنا بالعدد .

الثاني : محل الخلاف في التراب : إنما هو في غير محل السبيلين . فأما محل السبيلين : فلا يشترط فيه تراب ، قولا واحدا عند الجمهور ، ونص عليه . وحكى عن الحلواني : أنه أوجب التراب في محل الاستنجاء أيضا . وصرح بوجوبه في الفائق عنه . [ ص: 315 ] فوائد منها : حيث قلنا : يغسل ثلاثا وغسل سبعا : لم تزل طهورية ما بعد الغسلة الثالثة ، على الصحيح من المذهب ، قال ابن عقيل واحدا واحدا . وقيل : تزول طهوريته . ذكره القاضي . قلت : فيعايى بها على هذا القول . ومنها : قال في الفروع : يحسب العدد في إزالة النجاسة العينية قبل زوالها في ظاهر كلامهم . وفي ظاهر كلام صاحب المحرر : لا يحسب إلا بعد زوالها . ومنها : يغسل ما نجس ببعض الغسلات بعدد ما بقي بعد تلك الغسلة على الصحيح من المذهب . وقيل : بعد ما بقي مع تلك الغسلة . وقيل : يغسل سبعا إن اشترطنا السبع في أصله ، اختاره ابن حامد ، وهو ظاهر كلام الخرقي . أطلق الأول والأخير ابن عبيدان . فعلى القولين الأولين : يغسل بتراب إن لم يكن غسل به واشترطناه . وعلى الثالث : يغسل بتراب أيضا إن اشترطناه في أصله . قوله ( كالنجاسات كلها ، إذا كانت على الأرض ) ، الصحيح من المذهب : أن النجاسة إذا كانت على الأرض تطهر بالمكاثرة ، سواء كانت من كلب ، أو خنزير ، أو غيرهما وعليه جماهير الأصحاب ، وجزم به كثير منهم .

وعنه لا تطهر الأرض ونحوها حتى ينفصل الماء . وقيل : يجب العدد من نجاسة الكلب والخنزير ، معها ذكره القاضي في مقنعه ، والنص خلافه .

وعنه يجب العدد في غير البول . نقله ابن حامد . وحكى الآمدي رواية في الأرض : يجب لكل بولة ذنوب . وعنه في بركة وقع فيها بول تنزح ، ويقلع الطين . ثم تغسل . فوائد

الأولى : الصخر ، والأجربة من الحمام ، والأحواض ونحو ذلك : حكمها حكم [ ص: 316 ] الأرض على الصحيح من المذهب ، نص عليه . وقيل : لا . الثانية : يعتبر العصر في كل غسلة ، مع إمكانه فيما يتشرب النجاسة ، أو دقه ، أو تقليبه إن كان ثقيلا ، على الصحيح من المذهب مطلقا . قال ابن عبيدان : قاله الأصحاب . وقيل : لا يعتبر مطلقا . وقيل : يعتبر ذلك في غير الغسلة الأخيرة ، واختاره المجد في شرحه . وقال : الصحيح لا يجزئ تجفيف الثوب عن عصره ، وصححه في مجمع البحرين . وقيل : يجزئ . قال في الرعايتين ، والحاويين : وجفافه كعصره في أصح الوجهين . وأطلقهما في إجزاء التجفيف عن العصر في الفروع ، والتلخيص ، وابن عبيدان ، وابن تميم ، والفائق ، وإن أصابت النجاسة محلا لا يتشرب بها ، كالآنية ونحوها ، طهر بمرور الماء عليه ، وانفصاله عنه ، وإن لصقت به النجاسة وجب مع ذلك إزالتها . ويجب الحث والقرض . قال في التلخيص وغيره : إن لم يتضرر المحل بها . وقال في الرعاية : إن تعذرت الإزالة بدونها ، أو لعله مرادهم .

الثالثة : ولو كاثر ماء نجسا في إناء بماء كثير : لم يطهر الإناء بدون إراقته ، على الصحيح من المذهب ، نص عليه . وقيل : يطهر ، وإن لم يرق . ولو طهر ماء كثير نجس في إناء بمكثه : لم يطهر الإناء معه على الصحيح من المذهب . فإن انفصل الماء عنه حسب غسلة واحدة ، ثم يكمل . وقيل : يطهر الإناء تبعا ، كالمحتفر من الأرض . وقيل : إن مكث بقدر العدد طهر وإلا فلا . وكذا الحكم في الثوب إذا لم يعتبر عصره ، والإناء إذا غمس في ماء كثير . وأما اعتبار تكرار غمسه : فمبني على اعتبار العدد . ولا يكفي تحريكه وخضخضته في الماء ، على الصحيح من المذهب . وقيل : يكفي . وقال المصنف في المغني : إن مر عليه أجزاء ثلاثة . قيل كفى ، وإلا فلا . انتهى .

فلو وضع ثوبا في الماء ثم غمره بماء وعصره ، فغسلة واحدة يبني عليها ، ويطهر [ ص: 317 ] على الصحيح من المذهب ، نص عليه ، لأنه وارد كصبه في غير إناء . وعنه لا يطهر ; لأن ما ينفصل بعصره لا يفارقه عقيبه . وعنه يطهر إن تعذر بدونه . ولو عصر الثوب في الماء ، ولم يرفعه منه : لم يطهر حتى يخرجه ثم يعيده ، قدمه ابن عبيدان ، ومجمع البحرين . وقيل : يطهر بذلك . وأطلقهما في الفروع ، وابن تميم الرابعة : لو غسل بعض الثوب النجس طهر ما غسل منه . قال المصنف : ويكون المنفصل نجسا لملاقاته غير المغسول . قال ابن حمدان ، وابن تميم : وفيه نظر . انتهى .

فإن أراد غسل بقيته غسل ما لاقاه . الخامسة : لا يضر بقاء لون أو ريح أو هما ، على الصحيح من المذهب ، قال جماعة من الأصحاب : أو يشق . وذكر المصنف وغيره : أو يتضرر المحل ، وقيل : يكتفى بالعدد ، وقيل : يضر بقاؤهما أو أحدهما . وقال بعض الأصحاب : يعفى عن اللون دون الريح ; لأن قلع أثره أعسر فعلى المذهب : يطهر مع بقائهما ، أو بقاء أحدهما ، على الصحيح من المذهب وقال جماعة : يعفى عنه . منهم : القاضي في شرحه . وقيل : في زوال لونها فقط وجهان . ويضر بقاء الطعم على الصحيح من المذهب ، وقيل : لا يضر .

السادسة : لو لم تزل النجاسة إلا بملح أو غيره مع الماء : لم يجب في ظاهر كلامهم . قاله في الفروع . قال : ويتوجه احتمال يجب ، ويحتمله كلام أحمد . وذكره ابن الزاغوني في التراب تقوية للماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية