الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثالثة : في الدماء الطاهرة المختلف فيها والمتفق عليها . منها : دم عروق المأكول طاهر على الصحيح من المذهب . ولو ظهرت حمرته نص عليه ، وهو الصحيح من المذهب ، وهو من المفردات ، لأن العروق لا تنفك عنه . فيسقط حكمه ; لأنه ضرورة . وظاهر كلام القاضي في الخلاف : نجاسته . قال ابن الجوزي : المحرم هو الدم المسفوح . ثم قال القاضي : فأما الدم الذي يبقى في خلل اللحم بعد الذبح ، وما يبقى في العروق فمباح . قال في الفروع : ولم يذكر جماعة إلا دم العروق . وقال الشيخ تقي الدين فيه : لا أعلم خلافا في العفو عنه ، وأنه لا ينجس المرق ، بل يؤكل معها . انتهى .

قلت : وممن قال بطهارة بقية الدم الذي في اللحم غير دم العروق ، وإن ظهرت حمرته : المجد في شرحه ، والناظم ، وابن عبيدان ، وصاحب الفائق ، والرعايتين ، ونهاية ابن رزين ، ونظمها . وغيرهم . ومنها : دم السمك ، وهو طاهر على الصحيح من المذهب ، وعليه الأصحاب ، ويؤكل . وقيل : نجس . ومنها : دم البق والقمل والبراغيث ، والذباب ، ونحوها ، وهو طاهر على الصحيح من المذهب ، وقدمه في الفروع ، والفائق ، وابن رزين وغيرهم . قال المصنف ، والشارح وغيرهما : هذا ظاهر المذهب ، وصححه في تصحيح المحرر . وقال : قال بعض شراح المحرر : صححه ابن عقيل ، وجزم به في الانتصار في موضع . وحكاه عن الأصحاب ، ورجحه المجد . وعنه نجس . وأطلقهما في المحرر ، والكافي ، والحاويين ، والرعايتين ، وابن تميم ، والمستوعب ، والهداية ، ومجمع البحرين ، والمذهب ، وابن عبيدان [ ص: 328 ] ومنها : دم الشهيد ، وهو طاهر مطلقا على الصحيح ، صححه ابن تميم . وقدمه في الرعاية . وقيل : نجس . وعليهما يستحب بقاؤه . فيعايى بها . ذكره ابن عقيل في المنثور . وقيل : طاهر ما دام عليه ، قدمه المجد في شرحه ، وابن عبيدان ، وجزم به في مجمع البحرين . ولعله المذهب . وأطلقهن في الفروع . ومنها : الكبد والطحال . وهما دمان . ولا خلاف في طهارتهما . ومنها : المسك . واختلف مم هو ؟ فالصحيح : أنه سرة الغزال . وقيل : هو من دابة في البحر لها أنياب . قال في التلخيص : فيكون مما يؤكل . وقال ابن عقيل في الفنون : هو دم الغزلان ، وهو طاهر . وفأرته أيضا طاهرة على الصحيح . وقال الأزجي : فأرته نجسة . قال في الفروع : ويحتمل نجاسة المسك ; لأنه جزء من حيوان لكنه ينفصل بطبعه . ومنها : العلقة التي يخلق منها الآدمي ، أو حيوان طاهر . وهي طاهرة على أحد الوجهين ، صححه في التصحيح ، وابن تميم ، وقدمه ابن رزين في شرحه ، والصحيح من المذهب : أنها نجسة ; لأنها دم خارج من الفرج . قال في المغني : والصحيح نجاستها ، وقدمه في الكافي ، والشرح . قال في مجمع البحرين : نجسة في أظهر الروايتين . وأطلقهما في الفروع ، وابن عبيدان ، والرعايتين ، والحاويين ، والمذهب . وحكاهما ابن عقيل روايتين ، قال في الرعاية الكبرى : قلت والمضغة كالعلقة . ومثلها البيضة إذا صارت دما . فهي طاهرة على الصحيح ، قاله ابن تميم . وقيل : نجسة . قال المجد : حكمها حكم العلقة . وأطلقهما في الفروع . وذكر أبو المعالي وصاحب التلخيص : نجاسة بيض ند . واقتصر عليه في الفروع .

تنبيه :

أفادنا المصنف رحمه الله : أن القيح والصديد والمدة نجس ، وهو صحيح ، وهو المذهب وعليه الأصحاب ، وقطع به كثير منهم . وعنه طهارة ذلك ، اختاره الشيخ تقي الدين . فقال : لا يجب غسل الثوب والجسد من المدة والقيح والصديد . ولم يقم دليل على نجاسته . انتهى .

[ ص: 329 ] وأما ماء القروح : فقال في الفروع : هو نجس في ظاهر قوله ، وقدمه في الرعاية الكبرى ، وابن تميم ، واختاره المجد . وذكر جماعة : إن تغير بنجس وإلا فلا . قلت : منهم صاحب مجمع البحرين وهو أقرب إلى الطهارة من القيح والصديد ، والمدة . وأما ما يسيل من الفم وقت النوم : فطاهر في ظاهر كلامهم . قاله في الفروع .

تنبيه :

مراده بقوله " وأثر الاستنجاء " أثر الاستجمار . يعني أنه يعفى عن يسيره ، وهو صحيح ، وهو المذهب . وعليه جمهور الأصحاب ، وقطع به كثير منهم . وقيل : لا يعفى عن يسيره . ذكره ابن رزين في شرحه . وقال : لو قعد في ماء يسير نجسه ، أو عرق فهو نجس ; لأن المسح لا يزيل النجاسة بالكلية .

تنبيه :

أفادنا المصنف : أنه نجس ، وهو صحيح ، وهو المذهب . وعليه الجمهور . قال ابن عبيدان : اختاره أكثر أصحابنا ، وقدمه في الفروع ، والرعايتين ، والتلخيص ، وغيرهم . وعنه أنه طاهر ، اختاره جماعة من الأصحاب . منهم ابن حامد ، وأبو حفص بن المسلمة العكبري . وأطلقهما ابن تميم في باب اجتناب النجاسة . قال في الرعايتين ، والحاويين ، وغيرهما : يعفى عن عرق المستجمر في سراويله نص عليه . واستدل في المغني ومن تبعه بالنص على أن أثر الاستجمار طاهر . لا أنه نجس ويعفى عنه . وظاهر كلامه في المغني ومن تبعه : أنه لا يعفى عنه إلا في محله ، ولا يعفى عنه في سراويله .

التالي السابق


الخدمات العلمية